فقه التمكين عند دولة المرابطين
18-06-2008, 01:15 PM
فصول من كتاب :
هذه المرة مع كتاب "فقه التمكين عند دولة المرابطين" للدكتور الصلابي
الحلقة الاولى :
الجذور التاريخية للمرابطين
تمهيد :
تعتبر قبائلُ صنهاجة أقوى قبائل البربر وأشدها وأمنعها, واشتهرت بقُوَّة شكيمتها, وكثرة رجالها الذين ملأوا الشَّمَال الإفريقى وسكنوا جباله، وسهوله وخصوصًا من المغرب الأوسط إلى المغرب الأقصى.
واعتبرَ بعضُ المؤرخين قبائل صنهاجة مثلت شعبًا انضوتْ تحت لوائه أكثر من سبعين قبيلة بربرية، ومِن أهم هذه القبائل وأشهرها لمتونة، وجدالة، ولمطة، ومسوفة، وهى التى تكوَّنت منها دولة المرابطين السُّنيَّة. وبعض المؤرخين يجعل القبائل الصنهاجية لها أصل من حمير بن سبأ أى: إن أصلَهم يمانيِّون.
والبعض الآخر يذهب إلى أنهم برابرة لا علاقة لهم بالعرب( ).
1- تسمية الملثمين:
اشتهرتْ القبائل الصنهاجية فى التَّارِيخ باسم المُلَثَّمين، وأصبح اللثام شعارًا عُرفوا به إلى أن تسمَّوا بالمرابطين، ويرى بعض المؤرخين إن المُلَثَّمين ينتسبون إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون صنهاجة, وكانت لمتونة تتولى رئاسة سائر قبائل مسوفة، ومسراته، ومداسة, وجدالة، ولمطة، وغيرها، ثم آلت الرئاسة إلى قبيلة جدالة على عهد الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي( ).
ويبدو أن إطلاق اسم المُلَثَّمين فى بدايته كان خاصًّا بقبيلة لمتونة ثم توسع وأصبح شعارًا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت اسم سيادتها.
2- سبب تسميتهم:
وأمَّا سبب تسميتهم فقد وردت أقوال كثيرة فى سبب تسميتهم بذلك، منها: إن أجدادهم مِن حِمْيَر كانوا يتلثمون لشدة الحرِّ، ويذهب إلى هذا الرأى مََن ظنَّ إن أصل قبائل صنهاجة يرجع إلى الهجرات القديمة من المشرق لأسباب متعددة، منها اقتصادية, وسياسية.
ومنها: أنَّهم آمنوا بالرسول × وكانوا قلة فاضطرُّوا للهرب لما غلبهم أهل الكفر فتلثَّمُوا بقصد التمويه، وقيل: إن طائفة منهم أغارت على عدو لهم فخالفهم إلى مواطنهم وهى خالية إلا مِن النساء والأطفال والشيوخ، فأمر الشيوخُ النساءَ بأن يرتدين لباسَ الحرب ويتلثَّمَنَ، ففر الأعداء وهكذا اتخذوا اللثام سنة يلازمونه وارتقى عندهم إلى مستوى رفيع فى حياتهم وأعرافهم ومما قيل فى اللثام:
قَوم لهم درك العلا فى حمير
وإن انتموا صنهاجة فهمُ همُ
لما حَوَوْا إحْرَازَ كُلَّ فضيلة
غلبَ الحياءُ عليهمُ فتلثَّموا( )
3- موطن الملثمين:
سكن المُلَثَّمون الصحراء الكبرى الممتدة من غدامس شرقًا إلى المحيط الأطلسى غربًا، ومِن جبال درن شمالاً إلى أواسط الصحراء الكبرى جنوبًا.
ولم تكن هذه الأماكن والمواطن تجرى بها أنهار دائمة, وكانت قليلة الأمطار وأحيانًا تُحبَسُ عنها الأمطار لسنوات عديدة؛ فيتعرض سكانها للمجاعة فيرتحلون لطلب الماء والكلأ، فتفرقوا حول الواحات الصغيرة فى تلك الصحارى الممتدة الأطراف، وكوَّنوا قرى بدائية تتماشى مع ظروف حياتهم الرعوية( ).
4- حياتُهم الاقتصادية:
توزَّع المُلَثَّمون حول الواحات بحثًا عن المياه وعملوا فى الزراعة وخاصَّة زراعة الشعير الذى ينبت فى الأرض الفقيرة ويكفيه قليل من الماء، وقد ازدهرت زراعته فى منطقة أزكى التى تسكنها قبيلة لمتونة.
وكان النخيلُ مِن أهم أشجارهم، وكانت مدينة سجلماسة من أهم واحات الصحراء عمرانًا بشجر النخيل, واستفاد المُلَثَّمون من ظل أشجار النخيل؛ فزرعوا البطيخ والقرع والكوسى والقثاء، وشهدت بعض الواحات زراعة الذرة، وازدهرت فى واحة سجلماسة زراعة القطن وقصب السُّكَّر. وكانت وسيلة الزراعة فى تلك الواحات الصحراوية المحراث البدائى الذى تجرُّه الجمال.
وكانت تلك القبائل تهتم بتربية الحيوانات للحصول على قوتهم ولكى يستعملوها فى تنقلاتهم، ومن أهم الحيوانات التى اهتَمُّوا بها الإبل، والتى كانوا يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويستفيدون من أوبارها وجلودها لصناعة العباءات والألبسة والنعال وأسقف البيوت الصغيرة.
وكذلك اهتَمُّوا بتربية البغال والحمير لاستخدامها فى النقل المحلي( ).
واهتَمُّوا بتربية المواشى مِن بقرٍ وغنم وماعز لاستعمال ألبانها ولحومها فى غذائهم, وجلودها وأصوافها فى لباسهم، واهتَمُّوا بتربية النحل للحصول على العسل والشمع, وقد مارسوا الصيدَ وخاصة صيد البقر الوحشي.
وازدهرت الصناعات المحلية للاكتفاء الذاتي، وتطوَّرت فى الكم والنوع الصناعات المنزلية, وكذلك الأدوات الحربية التى ازدهرت بسبب الحروب المستمرَّة بين المُلَثَّمين وجيرانهم الوثنيين من السودان وغانا, واهتَمُّوا بصناعة السروج ولجم الخيل، وازدهرت الصناعات الغذائية فاستخرجوا الزيت من ثمر الفرتى وذلك بعصر قشره، واستعملوه فى طهى الطعام وإنارة السُّرج ليلاً، وكانوا يمزجونه بالرمل ويطلون به أسطح المنازل فيخفف من شدة الحر، ويمنع تسرُّب الماء، واشتهرت مدينة تارودانت بصناعة قصب السكر، والمنسوجات والألبسة من الصوف والقطن والوبر, وكانوا يصنعون من ثمار القرع أوانى يضعون فيها الملح والبهارات.
ومِن أهم المعادن فى بلاد المُلَثَّمين؛ الملح ويكثر فى أوليل وتفاري، والأخيرة تضم معظم مناجمه وهى على شكل ألواح يُقطِّعُهَا العبيد وتحملُها الجمال إلى بلاد السودان وغانا، وكان الحمل الواحد يُباع فى أيوالاتن بعشرة مثاقيل مِن الذهب، أما فى مالى فكان يُباع بعشرين مثقالاً، وربما ارتفع إلى الثلاثين. كان للملح أهمية فى حياتهم الاقتصادية، إذ كانوا يقطعونه قطعًا صغيرة يقايضون به كالذهب والفضة، وكان الفائض من إنتاجهم الزراعى والصناعى يُصدَّر إلى خارج بلادهم( ).
5- أهمية موقع الملثمين:
كانت بلاد المُلَثَّمين الممرَّ الوحيد بين الأَنْدَلُس وأواسط إفريقية؛ فكانت تسلكه القوافل على ثلاث طرق، فالطريق الأول وهو الطريق الساحلى على المحيط الأطلسى ينطلق من أغادير مارًا بنواكشوط حتى مصبِّ نهر السنغال, يقابله طريق داخلى غير بعيد عنه لجهة الشرق هو طريق تارودانت أويل، أما الطريق الثَّانِى وهو الأوسط فيمتد من أواسط المغرب إلى قلب الصحراء حيث بلدان مالى والنيجر,يبدأ هذا الطريق من سجلماسة ويمر بأزكى حتى أودغشت فى بلاد النيجر.
والطريق الثالث والأخير وهو طريق الصحراء يمتد من السودان الغربى إلى أواسط الصحراء شرقًا, ولا تخلو هذه الطُّرُق مِن صعوبات طبيعية، فتحرك الرمال يمحى معالمها وتتعرض القوافل المارة بها إلى مخاطر لا تُحمد عقباها، ولذلك احتاجت هذه القوافل للقُصّاص من المُلَثَّمين لكى يقودوا القوافل فى تلك الصحارى حتى تصل إلى بر أمانها مقابل مبالغ مالية على المجهود الرائع العظيم.
ونشطت حركة التجارة بين إفريقيا الغربية وبلاد المغرب والأَنْدَلُس بسبب الدور الريادى الذى قامت به قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة التى كوَّنت حلقة الاتصال الناجحة والمثمرة للأطراف المشاركة, وكثُرت الأسواق التجارية التى تعرض فيها بضائع بلاد الأَنْدَلُس والمغرب الأقصى وبلاد السودان الغربى حيث يتم التبادل بالتقايض,أو بالذهب والفضة على حسب الاتفاق بين المتبايعين، ومن أشهر تلك الأسواق التى اشتهرت فى تاريخ البلاد: أوغشت، أغمات، أسيلا( ).
6- الحياة الاجتماعية فى بلاد الملـثمين:
وأدى ازدهار التجارة فى بلاد المُلَثَّمين إلى ظهور طبقة من الأثرياء تجمعت لديهم أموال عظيمة بسبب نشاطهم التجاري، وعلى رأس هذه الطبقة الأمراء الذين استأثروا بالحكم وحافظوا على مصالحهم، وكانت هذه الطبقة مستعدة لمقاومة مَن يُهدِّدُ مصالحها,أو يحاول انتزاع مكانتها وثروتها وجاهها، مستخدمين من أجل تلك الأهداف الأساليب المشروعة والمُحرَّمة، ويساندهم فى ذلك الفقهاء المحليون الذين ارتبطت مصالحهم بهم وأصبحت أطماعهم والسعى لتحقيقها فوق أحكام الله.
واحتكرت هذه الطبقة الأراضى الزراعية فى الواحات، وكذلك مناجم الملح وقطعان الماشية، أى جميع مصادر الثروة, وكانت تبنى بيوتها بطريقة تدل على ترفعها عن سائر النَّاس, ومعلوم لدى الدارسين والباحثين فى تاريخ المُجْتَمَعات البشرية أنه عندما تظهر طبقة ذات ثراء مفرط ينتج عنه ظهور طبقة من الفقراء المدقعين فى فقرهم, وهذا ما حدث فى المُجْتَمَع المُلَثَّم، حيث نجد أن عامة النَّاس أصابهم الفقر واضطروا إلى الاشتغال برعى المواشى وبالعمل فى الأراضى الزراعية، ويؤدون الضرائب للأمراء والأعيان الذين استغلوهم استغلالاً مشينًا، وكانت طبقة الفقراء تتعرض للمجاعة فى سنوات الجفاف وكانت منازلهم من أغصان الأشجار ومُغطاة بالجلود كالأكواخ.
وظهرت فى المُجْتَمَع المُلَثَّم كثرة العبيد الذين استُخدموا وسُخروا للعمل فى مناجم الملح، وجلُّهم كانوا أسرى فى الحروب التى نشبت بين المُلَثَّمين والوثنيين، وارتفع شأن العبيد فيما بعد؛فكانوا فرقة خاصة فى جيش المرابطين، واشتهرت المرأة المُلَثَّمة بالجمال، وهى سمراء اللون, وبعض نساء الطبقة العليا كانت لهنَّ منزلة رفيعة فاقت منزلة الرجال فى بعض الأحيان.
وانتشرت عادات خبيثة فى المُجْتَمَع المُلَثَّم تتنافى مع تعاليم الإسلام، بل هى عادات غارقة فى مستنقعات الجاهلية، ومن أبشع هذه العادات السيئة الزواج بأكثر من أربع حرائر، وعادة الزنى، ومصادقة الرجل للمرأة المتزوجة بعلم زوجها وحضوره، وغابت العقيدة الإسلامية الصحيحة عن ذلك المُجْتَمَع واضطربت تصوراتُه وانحرف عن الصراط المستقيم, بعدما كان أجداد هذا المُجْتَمَع قد آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد × نبيًّا ورسولاً، ونبذوا ديانتهم المجوسية القديمة، بل كان أجداد هذا المُجْتَمَع دعاة إلى الله ، ورفعوا لواء الجهاد , وخاضوا حروبًا فى سبيل إعلاء كلمة الإسلام الخالدة التى وصلتهم بعد فتح الأَنْدَلُس.
واشتهرَ مِن ملوك المُلَثَّمين بحرصهم على نشر الإسلام وكسر شوكة من يعاديه الملك «تيولوثان بن تيكلان اللمتوني» الذى حارب القبائل الوثنية ونشر بينها الإسلام، وبعد وفاته سنة 222هـ خلفه حفيده الآثر الذى دام حكمه حتى وفاته عام 287هـ، فخلفه ابنه تميم الذى قتل عام 306هـ/ 920م على يد مشايخ صنهاجة.
وبعد ذلك افترقت كلمة المُلَثَّمين, وضاعت كثير من تعاليم الدين واستمرَّ شتاتهم مدة مائة وعشرين سنة الى أن قام بالأمر الأمير محمد بن تيفاوت اللمتوني( ) الذى وحَّدَهم، وقد استشهد هذا الأمير بعد ثلاث سنوات من حُكمِه على يد الوثنيين، فقام بالأمر بعده صهره الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالى الذى قاد قَومه نحو دين الله بعد رجوعه مِن حِجِّه ورحلته المشهورة. .................................................. ... يتبع
هذه المرة مع كتاب "فقه التمكين عند دولة المرابطين" للدكتور الصلابي
الحلقة الاولى :
الجذور التاريخية للمرابطين
تمهيد :
تعتبر قبائلُ صنهاجة أقوى قبائل البربر وأشدها وأمنعها, واشتهرت بقُوَّة شكيمتها, وكثرة رجالها الذين ملأوا الشَّمَال الإفريقى وسكنوا جباله، وسهوله وخصوصًا من المغرب الأوسط إلى المغرب الأقصى.
واعتبرَ بعضُ المؤرخين قبائل صنهاجة مثلت شعبًا انضوتْ تحت لوائه أكثر من سبعين قبيلة بربرية، ومِن أهم هذه القبائل وأشهرها لمتونة، وجدالة، ولمطة، ومسوفة، وهى التى تكوَّنت منها دولة المرابطين السُّنيَّة. وبعض المؤرخين يجعل القبائل الصنهاجية لها أصل من حمير بن سبأ أى: إن أصلَهم يمانيِّون.
والبعض الآخر يذهب إلى أنهم برابرة لا علاقة لهم بالعرب( ).
1- تسمية الملثمين:
اشتهرتْ القبائل الصنهاجية فى التَّارِيخ باسم المُلَثَّمين، وأصبح اللثام شعارًا عُرفوا به إلى أن تسمَّوا بالمرابطين، ويرى بعض المؤرخين إن المُلَثَّمين ينتسبون إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون صنهاجة, وكانت لمتونة تتولى رئاسة سائر قبائل مسوفة، ومسراته، ومداسة, وجدالة، ولمطة، وغيرها، ثم آلت الرئاسة إلى قبيلة جدالة على عهد الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي( ).
ويبدو أن إطلاق اسم المُلَثَّمين فى بدايته كان خاصًّا بقبيلة لمتونة ثم توسع وأصبح شعارًا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت اسم سيادتها.
2- سبب تسميتهم:
وأمَّا سبب تسميتهم فقد وردت أقوال كثيرة فى سبب تسميتهم بذلك، منها: إن أجدادهم مِن حِمْيَر كانوا يتلثمون لشدة الحرِّ، ويذهب إلى هذا الرأى مََن ظنَّ إن أصل قبائل صنهاجة يرجع إلى الهجرات القديمة من المشرق لأسباب متعددة، منها اقتصادية, وسياسية.
ومنها: أنَّهم آمنوا بالرسول × وكانوا قلة فاضطرُّوا للهرب لما غلبهم أهل الكفر فتلثَّمُوا بقصد التمويه، وقيل: إن طائفة منهم أغارت على عدو لهم فخالفهم إلى مواطنهم وهى خالية إلا مِن النساء والأطفال والشيوخ، فأمر الشيوخُ النساءَ بأن يرتدين لباسَ الحرب ويتلثَّمَنَ، ففر الأعداء وهكذا اتخذوا اللثام سنة يلازمونه وارتقى عندهم إلى مستوى رفيع فى حياتهم وأعرافهم ومما قيل فى اللثام:
قَوم لهم درك العلا فى حمير
وإن انتموا صنهاجة فهمُ همُ
لما حَوَوْا إحْرَازَ كُلَّ فضيلة
غلبَ الحياءُ عليهمُ فتلثَّموا( )
3- موطن الملثمين:
سكن المُلَثَّمون الصحراء الكبرى الممتدة من غدامس شرقًا إلى المحيط الأطلسى غربًا، ومِن جبال درن شمالاً إلى أواسط الصحراء الكبرى جنوبًا.
ولم تكن هذه الأماكن والمواطن تجرى بها أنهار دائمة, وكانت قليلة الأمطار وأحيانًا تُحبَسُ عنها الأمطار لسنوات عديدة؛ فيتعرض سكانها للمجاعة فيرتحلون لطلب الماء والكلأ، فتفرقوا حول الواحات الصغيرة فى تلك الصحارى الممتدة الأطراف، وكوَّنوا قرى بدائية تتماشى مع ظروف حياتهم الرعوية( ).
4- حياتُهم الاقتصادية:
توزَّع المُلَثَّمون حول الواحات بحثًا عن المياه وعملوا فى الزراعة وخاصَّة زراعة الشعير الذى ينبت فى الأرض الفقيرة ويكفيه قليل من الماء، وقد ازدهرت زراعته فى منطقة أزكى التى تسكنها قبيلة لمتونة.
وكان النخيلُ مِن أهم أشجارهم، وكانت مدينة سجلماسة من أهم واحات الصحراء عمرانًا بشجر النخيل, واستفاد المُلَثَّمون من ظل أشجار النخيل؛ فزرعوا البطيخ والقرع والكوسى والقثاء، وشهدت بعض الواحات زراعة الذرة، وازدهرت فى واحة سجلماسة زراعة القطن وقصب السُّكَّر. وكانت وسيلة الزراعة فى تلك الواحات الصحراوية المحراث البدائى الذى تجرُّه الجمال.
وكانت تلك القبائل تهتم بتربية الحيوانات للحصول على قوتهم ولكى يستعملوها فى تنقلاتهم، ومن أهم الحيوانات التى اهتَمُّوا بها الإبل، والتى كانوا يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويستفيدون من أوبارها وجلودها لصناعة العباءات والألبسة والنعال وأسقف البيوت الصغيرة.
وكذلك اهتَمُّوا بتربية البغال والحمير لاستخدامها فى النقل المحلي( ).
واهتَمُّوا بتربية المواشى مِن بقرٍ وغنم وماعز لاستعمال ألبانها ولحومها فى غذائهم, وجلودها وأصوافها فى لباسهم، واهتَمُّوا بتربية النحل للحصول على العسل والشمع, وقد مارسوا الصيدَ وخاصة صيد البقر الوحشي.
وازدهرت الصناعات المحلية للاكتفاء الذاتي، وتطوَّرت فى الكم والنوع الصناعات المنزلية, وكذلك الأدوات الحربية التى ازدهرت بسبب الحروب المستمرَّة بين المُلَثَّمين وجيرانهم الوثنيين من السودان وغانا, واهتَمُّوا بصناعة السروج ولجم الخيل، وازدهرت الصناعات الغذائية فاستخرجوا الزيت من ثمر الفرتى وذلك بعصر قشره، واستعملوه فى طهى الطعام وإنارة السُّرج ليلاً، وكانوا يمزجونه بالرمل ويطلون به أسطح المنازل فيخفف من شدة الحر، ويمنع تسرُّب الماء، واشتهرت مدينة تارودانت بصناعة قصب السكر، والمنسوجات والألبسة من الصوف والقطن والوبر, وكانوا يصنعون من ثمار القرع أوانى يضعون فيها الملح والبهارات.
ومِن أهم المعادن فى بلاد المُلَثَّمين؛ الملح ويكثر فى أوليل وتفاري، والأخيرة تضم معظم مناجمه وهى على شكل ألواح يُقطِّعُهَا العبيد وتحملُها الجمال إلى بلاد السودان وغانا، وكان الحمل الواحد يُباع فى أيوالاتن بعشرة مثاقيل مِن الذهب، أما فى مالى فكان يُباع بعشرين مثقالاً، وربما ارتفع إلى الثلاثين. كان للملح أهمية فى حياتهم الاقتصادية، إذ كانوا يقطعونه قطعًا صغيرة يقايضون به كالذهب والفضة، وكان الفائض من إنتاجهم الزراعى والصناعى يُصدَّر إلى خارج بلادهم( ).
5- أهمية موقع الملثمين:
كانت بلاد المُلَثَّمين الممرَّ الوحيد بين الأَنْدَلُس وأواسط إفريقية؛ فكانت تسلكه القوافل على ثلاث طرق، فالطريق الأول وهو الطريق الساحلى على المحيط الأطلسى ينطلق من أغادير مارًا بنواكشوط حتى مصبِّ نهر السنغال, يقابله طريق داخلى غير بعيد عنه لجهة الشرق هو طريق تارودانت أويل، أما الطريق الثَّانِى وهو الأوسط فيمتد من أواسط المغرب إلى قلب الصحراء حيث بلدان مالى والنيجر,يبدأ هذا الطريق من سجلماسة ويمر بأزكى حتى أودغشت فى بلاد النيجر.
والطريق الثالث والأخير وهو طريق الصحراء يمتد من السودان الغربى إلى أواسط الصحراء شرقًا, ولا تخلو هذه الطُّرُق مِن صعوبات طبيعية، فتحرك الرمال يمحى معالمها وتتعرض القوافل المارة بها إلى مخاطر لا تُحمد عقباها، ولذلك احتاجت هذه القوافل للقُصّاص من المُلَثَّمين لكى يقودوا القوافل فى تلك الصحارى حتى تصل إلى بر أمانها مقابل مبالغ مالية على المجهود الرائع العظيم.
ونشطت حركة التجارة بين إفريقيا الغربية وبلاد المغرب والأَنْدَلُس بسبب الدور الريادى الذى قامت به قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة التى كوَّنت حلقة الاتصال الناجحة والمثمرة للأطراف المشاركة, وكثُرت الأسواق التجارية التى تعرض فيها بضائع بلاد الأَنْدَلُس والمغرب الأقصى وبلاد السودان الغربى حيث يتم التبادل بالتقايض,أو بالذهب والفضة على حسب الاتفاق بين المتبايعين، ومن أشهر تلك الأسواق التى اشتهرت فى تاريخ البلاد: أوغشت، أغمات، أسيلا( ).
6- الحياة الاجتماعية فى بلاد الملـثمين:
وأدى ازدهار التجارة فى بلاد المُلَثَّمين إلى ظهور طبقة من الأثرياء تجمعت لديهم أموال عظيمة بسبب نشاطهم التجاري، وعلى رأس هذه الطبقة الأمراء الذين استأثروا بالحكم وحافظوا على مصالحهم، وكانت هذه الطبقة مستعدة لمقاومة مَن يُهدِّدُ مصالحها,أو يحاول انتزاع مكانتها وثروتها وجاهها، مستخدمين من أجل تلك الأهداف الأساليب المشروعة والمُحرَّمة، ويساندهم فى ذلك الفقهاء المحليون الذين ارتبطت مصالحهم بهم وأصبحت أطماعهم والسعى لتحقيقها فوق أحكام الله.
واحتكرت هذه الطبقة الأراضى الزراعية فى الواحات، وكذلك مناجم الملح وقطعان الماشية، أى جميع مصادر الثروة, وكانت تبنى بيوتها بطريقة تدل على ترفعها عن سائر النَّاس, ومعلوم لدى الدارسين والباحثين فى تاريخ المُجْتَمَعات البشرية أنه عندما تظهر طبقة ذات ثراء مفرط ينتج عنه ظهور طبقة من الفقراء المدقعين فى فقرهم, وهذا ما حدث فى المُجْتَمَع المُلَثَّم، حيث نجد أن عامة النَّاس أصابهم الفقر واضطروا إلى الاشتغال برعى المواشى وبالعمل فى الأراضى الزراعية، ويؤدون الضرائب للأمراء والأعيان الذين استغلوهم استغلالاً مشينًا، وكانت طبقة الفقراء تتعرض للمجاعة فى سنوات الجفاف وكانت منازلهم من أغصان الأشجار ومُغطاة بالجلود كالأكواخ.
وظهرت فى المُجْتَمَع المُلَثَّم كثرة العبيد الذين استُخدموا وسُخروا للعمل فى مناجم الملح، وجلُّهم كانوا أسرى فى الحروب التى نشبت بين المُلَثَّمين والوثنيين، وارتفع شأن العبيد فيما بعد؛فكانوا فرقة خاصة فى جيش المرابطين، واشتهرت المرأة المُلَثَّمة بالجمال، وهى سمراء اللون, وبعض نساء الطبقة العليا كانت لهنَّ منزلة رفيعة فاقت منزلة الرجال فى بعض الأحيان.
وانتشرت عادات خبيثة فى المُجْتَمَع المُلَثَّم تتنافى مع تعاليم الإسلام، بل هى عادات غارقة فى مستنقعات الجاهلية، ومن أبشع هذه العادات السيئة الزواج بأكثر من أربع حرائر، وعادة الزنى، ومصادقة الرجل للمرأة المتزوجة بعلم زوجها وحضوره، وغابت العقيدة الإسلامية الصحيحة عن ذلك المُجْتَمَع واضطربت تصوراتُه وانحرف عن الصراط المستقيم, بعدما كان أجداد هذا المُجْتَمَع قد آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد × نبيًّا ورسولاً، ونبذوا ديانتهم المجوسية القديمة، بل كان أجداد هذا المُجْتَمَع دعاة إلى الله ، ورفعوا لواء الجهاد , وخاضوا حروبًا فى سبيل إعلاء كلمة الإسلام الخالدة التى وصلتهم بعد فتح الأَنْدَلُس.
واشتهرَ مِن ملوك المُلَثَّمين بحرصهم على نشر الإسلام وكسر شوكة من يعاديه الملك «تيولوثان بن تيكلان اللمتوني» الذى حارب القبائل الوثنية ونشر بينها الإسلام، وبعد وفاته سنة 222هـ خلفه حفيده الآثر الذى دام حكمه حتى وفاته عام 287هـ، فخلفه ابنه تميم الذى قتل عام 306هـ/ 920م على يد مشايخ صنهاجة.
وبعد ذلك افترقت كلمة المُلَثَّمين, وضاعت كثير من تعاليم الدين واستمرَّ شتاتهم مدة مائة وعشرين سنة الى أن قام بالأمر الأمير محمد بن تيفاوت اللمتوني( ) الذى وحَّدَهم، وقد استشهد هذا الأمير بعد ثلاث سنوات من حُكمِه على يد الوثنيين، فقام بالأمر بعده صهره الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالى الذى قاد قَومه نحو دين الله بعد رجوعه مِن حِجِّه ورحلته المشهورة. .................................................. ... يتبع
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
من مواضيعي
0 دعوةٌ تُصيبُ هذا الصنف من التجّار
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته
التعديل الأخير تم بواسطة algeroi ; 18-06-2008 الساعة 01:17 PM