قرأت تكوين العقل العربي 1
30-04-2009, 09:55 AM
قرأت تكوين العقل العربي: 1
بقلم السيدة بن اسما عين زليخة خربوش
الكتاب ليس مسئولا عن كل ما ارى ، قد تتدخل النظرة الذاتية او سوء الفهم لأهداف المفكر.نيتي هي أن اعرف امة اقرأ - التي لا تقرا - بهذا الكتاب القيم وما أحوجنا لمثله.
كتاب - تكوين ًالعقل العربيً – كتاب ضخم في ثلاثة اجزاء الفه د. عابد الجابري منذ مدة في وطننا العربي ، ومع ذلك لم يسمع به اغلبية المثقفين لان مكتباتنا الفارغة لم تعد تتسع لمثل هذا الكتاب القيم وهذه الافكار النيرة .وجدت هذا الكتاب بالصدفة و عنوانه فرض علي شراءه بالعملة الصعبة كما فرض علي قراءته وهو اليوم يفرض علي ان اقول كلمة فيه لوجه الثقافة والعقل العربي. لم افعل ذلك تعصبا لأحد او ضد احد وليس هدفي البحث عن الخطأ والصواب ، وليس في نيتي ان اقرر العصمة لأحد ولا أقول أن الكتاب لا يحتاج الى نقد ومناقشة، ثم انني لست ناقدة ولا في مستوي ايجاد المآخذ علي كتاب لم اقرا مثله من قبل ، سوف تكون قراءتي عامة وناقصة وبحجم فردي ...وكم اخشي ان يحتمل كلامي اكثر من احتمال، ويستغل فهمي من طرف من يتقربون الى الله بتشويه كل جديد . لكن ماذا تفعل قارئة متمردة ترى إلا ان تقول كلمتها في كل ما يفرض عليها قراءته ؟.
كتاب ًتكوين العقل العربيً الكبير – بمحتواه - ألفه الدكتور الكبير ًعابد الجابريً كبير بفكره ومناهجه المكيفة وبحداثته وأصالته الفذة . والكتاب اكبر من تلك الكتب الكثيرة التي اهتمت بالتراث وختمت على عقولنا وجعلتنا نظن اننا لسنا في حاجة الى كتب جديدة في التراث...ورمتنا في بحر الاجترار والادلجة والاسطرة : إما الشعور بعظمة مزيفة تنسجها المعارضة لكل جديد وإما النقص والإحباط الذي ينسجه الانبهار بالغرب، إما النموذج الأصيل وإما النموذج الغربي ...
الكتاب يحمل رؤية جديدة عقلانية انتقاديه تفرض الاقتناع ، والنضج الفكري جعل الكاتب يترفع عن التعصب لرأي معين فكان مستقلا في ارائه لا يتشيع لأي مذهب او اتجاه... بل تحسبه عدة عقول متحاورة لتنهض بالتراث ...يظهر كالشافعي في اجتهاده في عصره ..او كالفارابي في عصره ... لكن كلا... انه الجابر العربي المسلم الواقف على رجليه في الارض ورأسه شامخ في السماء ينظر... لم يجعل التراث سلما يصعد عليه هو والتراث لا يصعد ابدا ...
الدكتور الجابري قدم لنا الثقافة العربية الاسلامية محللة منقودة في نظافة كتلك الثقافة التي اسست عليها اروبا مستقبلها: تلك الثقافة التي بنت نفسها على عقلانية امثال فقهائنا( ابن حزم والشاطبي وابن رشد) . هدف عابد الجابري انقاذ حاضرنا ومستقبلنا من انياب ماضي مفقود ثابت لا يمكن اعادته إلا بمنهج عقلي : انها محاولة لتأسيس الفكر العربي على التعامل الجدلي مع واقعنا المتأثر بالركود والحيرة .
جمع الكتاب اشتات التراث في كليته وترابطه ، برؤية مبتكرة خلقت له زمكان وجعته جسرا يمتد بين الماضي والحاضر وينظر الى المستقبل – كانه يرفض شعار – حاضرنا هو ماضينا ومستقبلنا هو اخرتنا- وذلك في تفاعل قد يسد الهوة التي حفرها الغرب في مجتمعاتنا (بتشجيعه لقيام جامعة عربية وأخري اسلامية )ليفرق بين عربي ومسلم ..الدكتور الجابري ليس مفكرا تراثيا وإنما هو مفكر يملك تراث... أراد أن يجمع امة في شخصية امة عربية اسلامية صاحبة تراث ...فرق بين ان يحتويك التراث وبين ان تحتوي التراث انت... فإذا احتواك قتلك وإذا احتويته احييته، لان الميت لا يحيي التراث.
لقد امتلك الجابري التراث دون ان يعضه خفاش الماضي ...كما امتلك تراث الاخر وثقافته دون ان يسلبه شخصيته ... هو لا يعيد الماضي ، وإنما يستعيد التراث ليتجاوزه ويسير به مع الحياة والعصر شانه شان الشاطبي في فقه المقاصد : تعامل مع الغرب كغرب، ومع التراث كتراث ...استعار ادوات الغرب وأخضعها لمقتضيات موضوعه حتى لا يحمل التراث ما لا يحتمل . وهكذا ليتمكن من تحليل التراث ويضعه في مكانه التاريخي . وقد نجح في خطواته وعرض افكاره وإبراز المعاني وفي الوصول الى النتائج.
انها جرأة مسئولة في غير تهور ولا خوف ، انها صراحة دون رياء ولا تكبر ولا تبرير للتعثرات ...حتى لو اختلفنا مع المؤلف في بعض الرؤى فان منطقيته ومنهجه العلمي يجعلنا نحترم تحليله وأساليبه وإقناعه العقلي الذي يتيح التفاهم وتعايش الاراء ولا يسمح بالشك او الطعن .سوف لا يكون مصير هذا الكتاب كمصير شهداء حرية القول والتفكير الذين حاربوا الزمان والناس ... لن يكون مصيره كمصير الطبري ...او الامام الرازي الذي حكم عليه ابن تيمية ...ولا كمصير ابن تيمية نفسه ... او مصير ابن رشد سيد العقلاء ...لن يحرق كتابه ولن يهمش ، لأنه كشف عن محاسن التراث وعيوبه في صراحة مدهشة وأسلوب متين وعبارات دقيقة محددة لا تسمح بالتأويل ... ثم ان العقول في عصر الجابري مهيأة والتربة خصبة لاستعاب العقل والتطور ، ولا ينقص إلا زعماء الاصالة ليقودوا هذا العقل نحو النهوض.كل حركاتنا وجامعاتنا باءت بالفشل لأنها تقود النهضات بعقل غير ناهض.
إن مشروع الجابري يقف على ارض صلبة تمتد نظرته الى الافق البعيد لتكسر قضبانه وتمزق استاره ... انها المغامرة الجابرية المباركة الصامدة فى وجه زعماء فكر التكفير الذين نصبوا نفوسهم ولاة على جنة الله وناره ، ليقحموا فيها من شاءوا من العباد.
يخطئ من يظن ان المعارف الواردة في الكتاب قديمة تراثية مكررة ، لان الجابري لم يقدم التراث كأفكار للاجترار كلا ، ان المؤلف يدخل بك سراديب التراث نابشا مفتشا عن المكونات الايديولوجية والمعرفية للعقل العربي ويبرزها في تداخلاتها وتناقضاتها وصراعها ، ويصل بك الى حصر النظم المعرفية التي اسست الثقافة العربية الاسلامية ، والتي كونت العقل العربي وشارك هو في تكوينها .
لقد حلل الجابري هذا العقل بنقد متطور فريد ، فحص مكوناته وطرق عمله وعوائق تقدمه الداخلية التي لازالت تكبله وتصده عن التمرد على كيفية تكوينه . ومن اجل ذلك نجد هذا الكتاب يفرض نفسه كأول مشروع للنهضة العربية الاسلامية ، قد يمكننا من الانتصار على حاضرنا المهزوم والمنفي . انه مشروع سليم يختلف عن المحاولات السابقة التى اغرقتنا في التردد المزمن ، وجعلتنا كالنعامة لا طير ولا جمل . لقد درس الجابري وهضم ما درس وعرف كيف يحرك اخطر البرك ويخرج منها سالما نظيفا .
قد يبدو الكتاب في مستواه الفكري والمعرفي موجها للخاصة ، لكن مناهجه تجعله بعيدا عن الارستقراطية الفكرية ... انه الكتاب الذي ينبغي بل يجب ان تتوفر عليه مكتباتنا وجامعاتنا لأنه يغني العقول عن تاريخ الفلسفة العربية الاسلامية ، لأنه فصل المحتوى المعرفي عن المضمون الايديولوجي... فبعث الحياة في الفلسفة فلم تعد مجرد نقل عن الاجنبي كما فهمنا سابقا ، مع الجابري اصبح لها كيان مستقل بدليل اختلاف الفلاسفة مع انهم شربوا من منبع واحد.ذلك ان كل فيلسوف وظف المحتوي المعرفي في الجانب الايديولوجي المعبر عن عصره ،باختصار كتاب تكوين العقل العربي لا يعطيك اشياء بل يعطيك شيئا واحدا ينتج الاشياء .
يتبع
Zoulihka2
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا
من مواضيعي
0 الهُوية؟
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد
التعديل الأخير تم بواسطة أرسطو طاليس ; 03-05-2009 الساعة 06:24 PM