تعقيبات على ما ورد في ندوة الشروق اليومي: "السلفيون في الجزائر.. إلى أين"؟
14-01-2013, 11:17 AM
تعقيبات على ما ورد في ندوة الشروق اليومي: "السلفيون في الجزائر.. إلى أين"؟
نشرت جريدة الشروق اليومي في عددها 3889 الصادر يوم 8 يناير 2013 مجموعة مداخلات في إطار " ندوة الشروق" حول موضوع "السلفية"، حيث أعطت الكلمة لمجموعة من الفاعلين في المجال الديني ليبدوا رأيهم حول هذه الظاهرة التي أسالت حبرا كثيرا، وقد أردت أن أعقب على بعض ما ورد من مداخلات في تلك الندوة في النقاط التالية:
1-بادرة حسنة
لعلها أول مرة تجتمع فيها "أطراف النزاع" من سلفيين ومناوئيهم على طاولة الحوار في بلادنا، فلعل في بادرة "الشروق اليومي" أن تنتقل بالنقاش في هذه القضية إلى مستوى آخر غير ما عهدناه من تبادل الاتهامات والقذف بالأوابد بين الطرفين، أو من طرف واحد تجاه الطرف الأخر -بعبارة أدق-، فإن الحصار الإعلامي مضروب على السلفيين مفتوح على من يناوئهم، وانضاف إلى ذلك حساسية بعض السلفيين من الإعلام، مما جعل المباراة الإعلامية بينهم وبين مناوئيهم في "اتجاه واحد".
إن كلا الطرفين-السلفيين ومن ناوءهم- قد أهملوا الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، وتترس كل فريق منهم في معسكره، يشن الهجمات الإعلامية على الفريق الآخر، وإني أجزم أنه لو التقى العقلاء (لا السفهاء!) من كل فريق على طاولة الحوار، لوجدوا أن بينهم الكثير من نقاط الاتفاق، والقليل من نقاط الخلاف والشقاق، وما زلت أذكر قصة لقاء شخص من الفاعلين في التيار السلفي كان يوصف بأنه "العدو رقم واحد" لوزارة الشئون الدينية و"مرجعيتها" الوطنية، مع اثنين ممن يعدهم السلفيون "العدو رقم واحد" لهم ولمنهجهم، فجمعت بينهم بالصدفة غرفة واحدة في أحد الملتقيات الفكرية، فـ"اضطروا" إلى الحوار والمناقشة، فإذا بهم يتعجب كل واحد من الآخر لما بينهم من نقاط الاتفاق والاهتمام المشتركة على خلاف ما كانوا يظنون!
2- ندوة غير متوازنة
ولعل مما ينتقد على هذه الندوة أنها صبت أيضا في اتجاه واحد، بحيث حضر التحالف المناوئ للسلفيين بأطيافه، فحضر ممثلو الصوفية باعتبارهم العدو الأبدي للسلفيين، وممثلو وزارة الشئون الدينية والأوقاف، باعتبارها الإدراة التي أوكلت إليها مهمة "مكافحة السلفية"، وشارك بعض المثقفين حتى يعطوا صبغة أكاديمية لكل اتهام وقذف موجه للسلفيين، أما من الجانب الآخر، فاكتفى منظمو الندوة بناشط مغمور، سرعان ما أُنكر عليه في الكواليس أنه مشاغب، بينما أُثني في الكواليس أيضا على نباهة وحصافة المناوئين.
وقد كان الأجدر الموازنة في تمثيل "طرفي النزاع" كما وكيفا حتى لا ينخدع القراء، وأعجب كيف أُغفلت بعض الأطراف والأسماء عن حوار مهم كهذا، وهي مظنة إثراء النقاش فيه، فأذكر على سبيل المثال: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيسها الدكتور عبد الرزاق قسوم، الشيخ يحيى صاري عضو المجلس العلمي لولاية الجزائر، الشيخ بن حنفية عابدين، الشيخ أبو عبد السلام، الدكتور محند إيدير مشنان، الدكتور عبد الحليم قابة، الدكتور موسى إسماعيل، ... وغيرهم من العقلاء، الذي كانوا ليضيفوا توازنا ورقيا على مستوى هذا الحوار.
هذا، ويتحمل الفاعلون في التيار السلفي قسطا من الخطأ، بإهمالهم مخاطبة الإعلام، وتبليغ أفكارهم ومواقفهم، التي تتعرض كل يوم للتشويه والتحريف والنمذجة المغرضة.
3- شوقي أبو حرم.. لا فُض فوك!
إن أحسن كلام قرأته في هذه الندوة وأجمله وأعقله هو كلام الدكتور شوقي أبو حرم، فكلامه ليس عليه مزيد، وقد أصاب به بيت القصيد، إذ بين أن السلفية ليست مذهبا، بل هي الوعاء الفكري الجامع لكل الحركات الإصلاحية التي عرفها الإسلام، ففي كلامه رد على بعض من ينتسب إلى السلفية وهو لا يفقه منها قليلا ولا كثيرا، بل يظن السلفية لحية تُطلق، وثوبا يُقصَّر، ولهجا باسم فلان وفلان من عالم أو متعالم، وردٌ –كذلك- على من يحقد على السلفية لأنها في ظنه مذهب أو جماعة تزاحم جماعته أو "قصعته"، بل السلفية بكل بساطة هي الاعتماد على الكتاب والسنة والرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح، وهي ليس خاصة بمذهب من المذاهب ولا بعالم من العلماء ولا بجماعة من الجماعات أو ببلد من البلدان، بل فيها نصيب لكل من يمم وجهه شطر الإصلاح وسعى إليه من منبعه: سلفنا الصالح رضي الله عنهم ورحمهم.
4- الكهنوت الطُرُقي..ذلك الظن بكم!
أما الكهنوت الطرقي فقد مثله في الندوة الدكتور محمد بن بريكة، عضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف، والسيد عبد القادر باسين ممثل اتحاد الزوايا، ولم يختلف خطاب الطرقي "المثقف" مع خطاب الطرقي "التقليدي" في اعتبار السلفية خطرا وغولا يهدد السلام البشري والأمن العالمي، وأكد الدكتور بن بريكة -من غير ذكر إحصائية ولا مرجع- أن نسبة الأمية مرتفعة عند السلفيين، ولعل "ديوان الصالحين" كاشفه بذلك، وعاب على السلفيين اكتساحهم للمساجد، وما خِلت مؤمنا -ناهيك عن كونه عضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف- يسوءه اكتساح الناس للمساجد، فهل كانت عين الدكتور لتقر لو اكتسحوا الحانات والملاهي وهجروا المساجد؟!
ومما عابه الدكتور على السلفيين –أيضا- انخراطهم في التجارة وأن ظهرت عليهم آثار الغنى، وصاروا يتجولون بسيارات فخمة وغالية، وهذا أغرب انتقاد من عضو"الأكاديمية!" العالمية للتصوف لهذه الفئة، وما أدري ما أراد من ورائه، فهل الغنى والرفاهية من شأن أرباب الزردات والوعدات الممثلين في "أكاديميته العالمية" لا يزاحمهم في ذلك أحد؟ أم أن التجارة مسبة يسب بها من قارفها؟ ولعل الدكتور خفي عليه أن العديد من السلفيين أو "الملتحين" –عموما- فروا إلى التجارة بعد أن أغلقت في وجوههم سبل التوظيف في الإدارات العمومية التي يتحكم فيها -في كثير من الأحيان- الاستئصاليون والعلمانيون والطرقيون الذين نالتهم البركات "الرئاسية" و"الوزارية"!
وقد أطلعنا دكتورنا أنه قد عانى الأمرين مع الطلبة السلفيين المراهقين في كلية العلوم الإسلامية، واعتبر سلوكهم نموذجا لسلوك كل سلفي في العالم، وأنهم الممثلون الرسميون للسلفية الناطقون باسمها، فلله درك من دكتور يحكم بالقسط!
ونقم الدكتور على الطلبة السلفيين في الكليات أنهم يحضرون محاضرات وحصصا معينة دون أخرى، ويعلم كثير ممن وطئت قدماه كلية للعلوم الإسلامية في بلادنا ضحالة مستوى الكثير من أساتذتها ودكاترتها، وبالأخص لو علمنا أن للانتماء الطرقي أو الحزبي دور كبير في ترقية بعض "الدراويش" إلى دكاترة، لذلك فيفترض في الطالب العاقل أن لا يضيع وقته في محاضرات بعض "الدكاترة" الذي يملون المحاضرات إملاء من كتب الزحيلي-حفظه الله-، والطلبة -سلفيون وغير سلفيين- يزدحمون على محاضرات الأساتذة المتقنين -سلفيين وغير سلفيين-، واسأل –إن شئت- عن حظوة الأستاذ بلحاج شريفي وهو..إباضي! بين كل الطلبة في كلية العلوم الإسلامية بالجزائر، بمن فيهم السلفيين.
نعم، صدق الدكتور وعضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف، فإنه يصدر من كثير من الطلبة والطالبات ممن عليهم سيما السلفية، سلوكات استفزازية تجاه أساتذتهم، وهي سلوكات ناتجة عن غمرة المراهقة وسكرة الشباب، وكان المفترض من الأساتذة أن يربوهم ويحوطوهم بالنصيحة ومشاعر الأبوة العلمية، لكن بعض الأساتذة، وبالأخص منه من تربى على الهيكلية الطرقية، لا معقب لحكمه ولا راد لرأيه، وهكذا صارت كليات العلوم الإسلامية ساحة معركة بين طلبة "مراهقين" في السن و أساتذة "مراهقين" في الفكر.
ولم يغفل الدكتور العظيم وعضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف عن استنفار الأمن والعساكر للقيام بمهامهم، والمقصود بمهامهم –حسبما فهمت- محاربة السلفيين ونصرة الطرقيين، ونقل الدكتور إحصائية أخرى عن عالم "عظيم" شرفت به الجزائر هو الشيخ الدين بوروبي مفتي "قناة النهار" بالليل والنهار، وهي إحصائية لم يقل لنا الدكتور بن بريكة ولا الشيخ شمس الدين إن كانت من "الديوان الوطني للإحصاء" أو هي أيضا من مكاشفات "ديوان الصالحين"، ومفادها أن 700 إمام راحوا ضحية أيادي الغدر، والدكتور يريد أن يفهمنا أن 700 إمام من الطرقيين المساكين قتلتهم أيادي الغدر من السلفيين الحاقدين، وكل من عايش الأحداث، يعلم أن الحقيقة غير هذا، وأن المئات من الأئمة المحسوبين على التيار السلفي واجهوا الإرهاب في أخطر مراحله وأطروا المساجد في تلك المرحلة الصعبة حين فر منها من فر ، وعصموا جحافل من الشباب من الالتحاق بالحركات المسلحة، ودفع بعضهم حياته ثمنا لذلك، وفي نفس الوقت عانوا من اضطهاد قوات الأمن التي كانت لا تفرق بين ملتح وملتح، وحشرت بعضهم فيمن حشر إلى غوانتاناموهات الجزائر في صحرائنا الفسيحة، و تنكرت الدولة لجهود هؤلاء بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
5-وزارة مكافحة السلفية
أما ممثل وزارة الشئون الدينية والأوقاف أو الإدراة المكلفة بـ"مكافحة السلفية" السيد عدة فلاحي فقد تبنى نظرية المؤامرة الخارجية، متهما السعودية بتسهيل الحج ومنح المنح للسلفيين حتى يدرسوا في جامعاتها، وكان رد وزارتنا المظفرة هي إرسال المفتشين ليتفقدوا كل بيت وكوخ وزقاق عسى أن يختبئ فيه "وهابي"، ولعلها أن تزود المفتشين –لاحقا- بجهاز كاشف عن "الوهابية" أيضا!
وأنا دائما أتعجب من إنكار وزارتنا على السعودية نشرها لمذهبها وفكرها في العالم، كما هو شأن كل دولة تحترم نفسها في زمن العولمة، ففي حين "حنبلت" السعودية العالم الإسلامي و "وهّبته" وبذلت في سبيل ذلك أموالا طائلة وطاقات هائلة، تمضي وزارتنا للشؤون الدينية وقتها في البكاء والنحيب والشكوى من تسرب الفكر "السعودي" إليها، وهي لم تقدر على تكوين كفاءات تحيى ثراتنا المالكي، أو تطبع كتبه، أو تحبب الطلاب إليه، سوى أن تنتهج في قطاعاتها سياسة "الدروشة" والتحالف مع الطرقيين، فافعلوا كما فعلت السعودية أو اصمتوا –بارك الله فيكم-.
والذي يقضى منه العجب وصف السيد عدة فلاحي للفترة "الغلامية" التي طال أمدها بأنها فترة تسامح مع "دعاة السلفية"، مع أن الوزير لا يترك محفلا ولا حوارا إلا وسب السلفيين وحرض عليهم، بل السلفية أخطر عنده من القاديانية -كما صرح به في أحد حواراته-، ولو كان الأمر بيده لما ترك في الجزائر من السلفيين ديارا، كيف وهو الطرقي الجلد الذي أعاد للطرقية "مجدها" مؤيدة بالبركات " الرئاسية".
قلت إن كان الأمر بيده، ولكن الأمر ليس بيده، بل في يد جهات "نافذة جدا" رأت أن "دراويش" الوزارة لا يقدرون على تأطير المجتمع ولا على مواجهة الفكر التكفيري الذي انتشر في "الفترة الغلامية" انتشار النار في الهشيم، وانتشر فيها أيضا تيارات هدامة تهدد قوام الأمة الجزائرية من تنصير وقاديانية وتشيع، فهذه الجهات"النافذة جدا"، تقف في وجه التطهير العرقي التي يريد "معالي الوزير" أن يسلطه على السلفيين، وفي الحديث: "إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر"!
لقد كان المفترض في وزير الشئون الدينية والأوقاف ومن أعانه من إطارات أن ينظروا إلى الشباب السلفي-وإن كان مخطئا في نظرهم- نظرة إشفاق ورحمة، وأن يعاملوهم معاملة الأب للابن، وإذا استسغنا أخطاء بعض الطائشين من الشباب المحسوب على السلفية كنطح الأئمة وضربهم، فهل نستسيغ التجاوزات التي تصدر من مسئولين رسميين كان ينبغي أن يحوطوا تصرفاتهم وتصريحاتهم بالتحفظ والحكمة؟ هل لاحظتم التصريحات "المبهدلة" لـ"معالي الوزير" في كل خرجة يخرج فيها لوسائل الإعلام؟ لقد استطاع العديد من المشايخ والإطارات والأساتذة الذين يراهم السلفيون غير سلفيين، أن يكسبوا الشباب السلفي وينالوا وده ويدخلوا معه في حوار أخوي يزيل الكثير من العوائق، ويرص الصفوف ويوحدها لخدمة الدين والوطن، لما رأوه منهم الإخلاص وسعة الخاطر ولين الجناح.
وقد أثبتت التجارب أن المنهج الاستئصالي الذي تنتهجه وزارة الشئون الدينية والأوقاف لا يجدي نفعا، بل يزيد المتطرف تطرفا، فمتى يعقل هذا الوزير وحاشيته؟ بل متى ينتهي كابوس استوزار هذا الطرقي الجلد الذي عمق هوة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، اللهم نسألك فرجا عاجلا!
نشرت جريدة الشروق اليومي في عددها 3889 الصادر يوم 8 يناير 2013 مجموعة مداخلات في إطار " ندوة الشروق" حول موضوع "السلفية"، حيث أعطت الكلمة لمجموعة من الفاعلين في المجال الديني ليبدوا رأيهم حول هذه الظاهرة التي أسالت حبرا كثيرا، وقد أردت أن أعقب على بعض ما ورد من مداخلات في تلك الندوة في النقاط التالية:
1-بادرة حسنة
لعلها أول مرة تجتمع فيها "أطراف النزاع" من سلفيين ومناوئيهم على طاولة الحوار في بلادنا، فلعل في بادرة "الشروق اليومي" أن تنتقل بالنقاش في هذه القضية إلى مستوى آخر غير ما عهدناه من تبادل الاتهامات والقذف بالأوابد بين الطرفين، أو من طرف واحد تجاه الطرف الأخر -بعبارة أدق-، فإن الحصار الإعلامي مضروب على السلفيين مفتوح على من يناوئهم، وانضاف إلى ذلك حساسية بعض السلفيين من الإعلام، مما جعل المباراة الإعلامية بينهم وبين مناوئيهم في "اتجاه واحد".
إن كلا الطرفين-السلفيين ومن ناوءهم- قد أهملوا الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، وتترس كل فريق منهم في معسكره، يشن الهجمات الإعلامية على الفريق الآخر، وإني أجزم أنه لو التقى العقلاء (لا السفهاء!) من كل فريق على طاولة الحوار، لوجدوا أن بينهم الكثير من نقاط الاتفاق، والقليل من نقاط الخلاف والشقاق، وما زلت أذكر قصة لقاء شخص من الفاعلين في التيار السلفي كان يوصف بأنه "العدو رقم واحد" لوزارة الشئون الدينية و"مرجعيتها" الوطنية، مع اثنين ممن يعدهم السلفيون "العدو رقم واحد" لهم ولمنهجهم، فجمعت بينهم بالصدفة غرفة واحدة في أحد الملتقيات الفكرية، فـ"اضطروا" إلى الحوار والمناقشة، فإذا بهم يتعجب كل واحد من الآخر لما بينهم من نقاط الاتفاق والاهتمام المشتركة على خلاف ما كانوا يظنون!
2- ندوة غير متوازنة
ولعل مما ينتقد على هذه الندوة أنها صبت أيضا في اتجاه واحد، بحيث حضر التحالف المناوئ للسلفيين بأطيافه، فحضر ممثلو الصوفية باعتبارهم العدو الأبدي للسلفيين، وممثلو وزارة الشئون الدينية والأوقاف، باعتبارها الإدراة التي أوكلت إليها مهمة "مكافحة السلفية"، وشارك بعض المثقفين حتى يعطوا صبغة أكاديمية لكل اتهام وقذف موجه للسلفيين، أما من الجانب الآخر، فاكتفى منظمو الندوة بناشط مغمور، سرعان ما أُنكر عليه في الكواليس أنه مشاغب، بينما أُثني في الكواليس أيضا على نباهة وحصافة المناوئين.
وقد كان الأجدر الموازنة في تمثيل "طرفي النزاع" كما وكيفا حتى لا ينخدع القراء، وأعجب كيف أُغفلت بعض الأطراف والأسماء عن حوار مهم كهذا، وهي مظنة إثراء النقاش فيه، فأذكر على سبيل المثال: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيسها الدكتور عبد الرزاق قسوم، الشيخ يحيى صاري عضو المجلس العلمي لولاية الجزائر، الشيخ بن حنفية عابدين، الشيخ أبو عبد السلام، الدكتور محند إيدير مشنان، الدكتور عبد الحليم قابة، الدكتور موسى إسماعيل، ... وغيرهم من العقلاء، الذي كانوا ليضيفوا توازنا ورقيا على مستوى هذا الحوار.
هذا، ويتحمل الفاعلون في التيار السلفي قسطا من الخطأ، بإهمالهم مخاطبة الإعلام، وتبليغ أفكارهم ومواقفهم، التي تتعرض كل يوم للتشويه والتحريف والنمذجة المغرضة.
3- شوقي أبو حرم.. لا فُض فوك!
إن أحسن كلام قرأته في هذه الندوة وأجمله وأعقله هو كلام الدكتور شوقي أبو حرم، فكلامه ليس عليه مزيد، وقد أصاب به بيت القصيد، إذ بين أن السلفية ليست مذهبا، بل هي الوعاء الفكري الجامع لكل الحركات الإصلاحية التي عرفها الإسلام، ففي كلامه رد على بعض من ينتسب إلى السلفية وهو لا يفقه منها قليلا ولا كثيرا، بل يظن السلفية لحية تُطلق، وثوبا يُقصَّر، ولهجا باسم فلان وفلان من عالم أو متعالم، وردٌ –كذلك- على من يحقد على السلفية لأنها في ظنه مذهب أو جماعة تزاحم جماعته أو "قصعته"، بل السلفية بكل بساطة هي الاعتماد على الكتاب والسنة والرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح، وهي ليس خاصة بمذهب من المذاهب ولا بعالم من العلماء ولا بجماعة من الجماعات أو ببلد من البلدان، بل فيها نصيب لكل من يمم وجهه شطر الإصلاح وسعى إليه من منبعه: سلفنا الصالح رضي الله عنهم ورحمهم.
4- الكهنوت الطُرُقي..ذلك الظن بكم!
أما الكهنوت الطرقي فقد مثله في الندوة الدكتور محمد بن بريكة، عضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف، والسيد عبد القادر باسين ممثل اتحاد الزوايا، ولم يختلف خطاب الطرقي "المثقف" مع خطاب الطرقي "التقليدي" في اعتبار السلفية خطرا وغولا يهدد السلام البشري والأمن العالمي، وأكد الدكتور بن بريكة -من غير ذكر إحصائية ولا مرجع- أن نسبة الأمية مرتفعة عند السلفيين، ولعل "ديوان الصالحين" كاشفه بذلك، وعاب على السلفيين اكتساحهم للمساجد، وما خِلت مؤمنا -ناهيك عن كونه عضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف- يسوءه اكتساح الناس للمساجد، فهل كانت عين الدكتور لتقر لو اكتسحوا الحانات والملاهي وهجروا المساجد؟!
ومما عابه الدكتور على السلفيين –أيضا- انخراطهم في التجارة وأن ظهرت عليهم آثار الغنى، وصاروا يتجولون بسيارات فخمة وغالية، وهذا أغرب انتقاد من عضو"الأكاديمية!" العالمية للتصوف لهذه الفئة، وما أدري ما أراد من ورائه، فهل الغنى والرفاهية من شأن أرباب الزردات والوعدات الممثلين في "أكاديميته العالمية" لا يزاحمهم في ذلك أحد؟ أم أن التجارة مسبة يسب بها من قارفها؟ ولعل الدكتور خفي عليه أن العديد من السلفيين أو "الملتحين" –عموما- فروا إلى التجارة بعد أن أغلقت في وجوههم سبل التوظيف في الإدارات العمومية التي يتحكم فيها -في كثير من الأحيان- الاستئصاليون والعلمانيون والطرقيون الذين نالتهم البركات "الرئاسية" و"الوزارية"!
وقد أطلعنا دكتورنا أنه قد عانى الأمرين مع الطلبة السلفيين المراهقين في كلية العلوم الإسلامية، واعتبر سلوكهم نموذجا لسلوك كل سلفي في العالم، وأنهم الممثلون الرسميون للسلفية الناطقون باسمها، فلله درك من دكتور يحكم بالقسط!
ونقم الدكتور على الطلبة السلفيين في الكليات أنهم يحضرون محاضرات وحصصا معينة دون أخرى، ويعلم كثير ممن وطئت قدماه كلية للعلوم الإسلامية في بلادنا ضحالة مستوى الكثير من أساتذتها ودكاترتها، وبالأخص لو علمنا أن للانتماء الطرقي أو الحزبي دور كبير في ترقية بعض "الدراويش" إلى دكاترة، لذلك فيفترض في الطالب العاقل أن لا يضيع وقته في محاضرات بعض "الدكاترة" الذي يملون المحاضرات إملاء من كتب الزحيلي-حفظه الله-، والطلبة -سلفيون وغير سلفيين- يزدحمون على محاضرات الأساتذة المتقنين -سلفيين وغير سلفيين-، واسأل –إن شئت- عن حظوة الأستاذ بلحاج شريفي وهو..إباضي! بين كل الطلبة في كلية العلوم الإسلامية بالجزائر، بمن فيهم السلفيين.
نعم، صدق الدكتور وعضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف، فإنه يصدر من كثير من الطلبة والطالبات ممن عليهم سيما السلفية، سلوكات استفزازية تجاه أساتذتهم، وهي سلوكات ناتجة عن غمرة المراهقة وسكرة الشباب، وكان المفترض من الأساتذة أن يربوهم ويحوطوهم بالنصيحة ومشاعر الأبوة العلمية، لكن بعض الأساتذة، وبالأخص منه من تربى على الهيكلية الطرقية، لا معقب لحكمه ولا راد لرأيه، وهكذا صارت كليات العلوم الإسلامية ساحة معركة بين طلبة "مراهقين" في السن و أساتذة "مراهقين" في الفكر.
ولم يغفل الدكتور العظيم وعضو "الأكاديمية!" العالمية للتصوف عن استنفار الأمن والعساكر للقيام بمهامهم، والمقصود بمهامهم –حسبما فهمت- محاربة السلفيين ونصرة الطرقيين، ونقل الدكتور إحصائية أخرى عن عالم "عظيم" شرفت به الجزائر هو الشيخ الدين بوروبي مفتي "قناة النهار" بالليل والنهار، وهي إحصائية لم يقل لنا الدكتور بن بريكة ولا الشيخ شمس الدين إن كانت من "الديوان الوطني للإحصاء" أو هي أيضا من مكاشفات "ديوان الصالحين"، ومفادها أن 700 إمام راحوا ضحية أيادي الغدر، والدكتور يريد أن يفهمنا أن 700 إمام من الطرقيين المساكين قتلتهم أيادي الغدر من السلفيين الحاقدين، وكل من عايش الأحداث، يعلم أن الحقيقة غير هذا، وأن المئات من الأئمة المحسوبين على التيار السلفي واجهوا الإرهاب في أخطر مراحله وأطروا المساجد في تلك المرحلة الصعبة حين فر منها من فر ، وعصموا جحافل من الشباب من الالتحاق بالحركات المسلحة، ودفع بعضهم حياته ثمنا لذلك، وفي نفس الوقت عانوا من اضطهاد قوات الأمن التي كانت لا تفرق بين ملتح وملتح، وحشرت بعضهم فيمن حشر إلى غوانتاناموهات الجزائر في صحرائنا الفسيحة، و تنكرت الدولة لجهود هؤلاء بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
5-وزارة مكافحة السلفية
أما ممثل وزارة الشئون الدينية والأوقاف أو الإدراة المكلفة بـ"مكافحة السلفية" السيد عدة فلاحي فقد تبنى نظرية المؤامرة الخارجية، متهما السعودية بتسهيل الحج ومنح المنح للسلفيين حتى يدرسوا في جامعاتها، وكان رد وزارتنا المظفرة هي إرسال المفتشين ليتفقدوا كل بيت وكوخ وزقاق عسى أن يختبئ فيه "وهابي"، ولعلها أن تزود المفتشين –لاحقا- بجهاز كاشف عن "الوهابية" أيضا!
وأنا دائما أتعجب من إنكار وزارتنا على السعودية نشرها لمذهبها وفكرها في العالم، كما هو شأن كل دولة تحترم نفسها في زمن العولمة، ففي حين "حنبلت" السعودية العالم الإسلامي و "وهّبته" وبذلت في سبيل ذلك أموالا طائلة وطاقات هائلة، تمضي وزارتنا للشؤون الدينية وقتها في البكاء والنحيب والشكوى من تسرب الفكر "السعودي" إليها، وهي لم تقدر على تكوين كفاءات تحيى ثراتنا المالكي، أو تطبع كتبه، أو تحبب الطلاب إليه، سوى أن تنتهج في قطاعاتها سياسة "الدروشة" والتحالف مع الطرقيين، فافعلوا كما فعلت السعودية أو اصمتوا –بارك الله فيكم-.
والذي يقضى منه العجب وصف السيد عدة فلاحي للفترة "الغلامية" التي طال أمدها بأنها فترة تسامح مع "دعاة السلفية"، مع أن الوزير لا يترك محفلا ولا حوارا إلا وسب السلفيين وحرض عليهم، بل السلفية أخطر عنده من القاديانية -كما صرح به في أحد حواراته-، ولو كان الأمر بيده لما ترك في الجزائر من السلفيين ديارا، كيف وهو الطرقي الجلد الذي أعاد للطرقية "مجدها" مؤيدة بالبركات " الرئاسية".
قلت إن كان الأمر بيده، ولكن الأمر ليس بيده، بل في يد جهات "نافذة جدا" رأت أن "دراويش" الوزارة لا يقدرون على تأطير المجتمع ولا على مواجهة الفكر التكفيري الذي انتشر في "الفترة الغلامية" انتشار النار في الهشيم، وانتشر فيها أيضا تيارات هدامة تهدد قوام الأمة الجزائرية من تنصير وقاديانية وتشيع، فهذه الجهات"النافذة جدا"، تقف في وجه التطهير العرقي التي يريد "معالي الوزير" أن يسلطه على السلفيين، وفي الحديث: "إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر"!
لقد كان المفترض في وزير الشئون الدينية والأوقاف ومن أعانه من إطارات أن ينظروا إلى الشباب السلفي-وإن كان مخطئا في نظرهم- نظرة إشفاق ورحمة، وأن يعاملوهم معاملة الأب للابن، وإذا استسغنا أخطاء بعض الطائشين من الشباب المحسوب على السلفية كنطح الأئمة وضربهم، فهل نستسيغ التجاوزات التي تصدر من مسئولين رسميين كان ينبغي أن يحوطوا تصرفاتهم وتصريحاتهم بالتحفظ والحكمة؟ هل لاحظتم التصريحات "المبهدلة" لـ"معالي الوزير" في كل خرجة يخرج فيها لوسائل الإعلام؟ لقد استطاع العديد من المشايخ والإطارات والأساتذة الذين يراهم السلفيون غير سلفيين، أن يكسبوا الشباب السلفي وينالوا وده ويدخلوا معه في حوار أخوي يزيل الكثير من العوائق، ويرص الصفوف ويوحدها لخدمة الدين والوطن، لما رأوه منهم الإخلاص وسعة الخاطر ولين الجناح.
وقد أثبتت التجارب أن المنهج الاستئصالي الذي تنتهجه وزارة الشئون الدينية والأوقاف لا يجدي نفعا، بل يزيد المتطرف تطرفا، فمتى يعقل هذا الوزير وحاشيته؟ بل متى ينتهي كابوس استوزار هذا الطرقي الجلد الذي عمق هوة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، اللهم نسألك فرجا عاجلا!
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!