تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> حوار حار: هل الثورات العربية بلاء للمسلمين/بعد أحداث تونس/ للبحاثة الشيخ عبد الحميد العربي الجزائري

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
hamid4
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-10-2009
  • المشاركات : 127
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • hamid4 is on a distinguished road
hamid4
عضو فعال
حوار حار: هل الثورات العربية فتنة للمسلمين/بعد أحداث تونس/ للبحاثة الشيخ عبد الحميد العربي الجزائري
28-10-2014, 06:59 PM
هل الثورات العربية فتنة للمسلمين/بعد أحداث تونس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة/ للبحاثة الشيخ عبد الحميد العربي الجزائري
مقال لفضيلة الشيخ البحاثة أبي عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري

إنّ الحمدَ لله، نحمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا، ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي لـه.
وأشهـدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إن العالَم الإسلامي يمرّ بموجة من الاضطرابات، وعاصفةٍ من الثّورات أوقدت نارها تركةٌ كبيرة من الظلم، وسطوةُ الأنظمة الوضعية على حياة المسلمين، واستبعادٌ مقصود لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم عن تنظيم شؤون المسلمين، وانحطاط مادي وأدبي صارخ أصاب طبقة من أبناء الأمة، وهي نتيجةٌ متوقعةٌ من الشعوب الإسلامية، لانتشار الجهل في أوساط الأمة، وغيابِ فقه التعامل مع الحكام المسلمين إذا جاروا وظلموا، وأصولِ تغيير المنكر ونشر الخير على منظور أهل الحديث والأثر.
إنّ إعصار الثورات الذي جاب بعض العواصم الإسلامية استدراجٌ من الله للشعوب الإسلامية، وبالأخص الأحزاب التي تتبنى منهج الإسلام دستورا لإصلاح ما أفسد الناس في منظورها؛ قال تعالى: [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ] الأنعام: ٤٤، فما يراه الثوار في بعض العواصم الإسلامية من فتح، وسعة، وحرية، هو إملاءٌ لهم من عالم الغيب عياذ بالله من مَكره وسخطه لينظر الله آ يحسنون أم يسيئون.
إنّ كثيرا من الثائرين المسرفين على أنفسهم قاموا وثاروا على الظلم، والأنظمة الجائرة وهم ناسون ومعرضون عن كثير من الواجبات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومرتكبون لكثير من المنكرات التي حرمتها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا لإسرافهم على أنفسهم وأمتهم، وليخشوا أن يؤخذوا بغتة وهم آيسون من المكاسب التي حققوها استدراجا وليس استحقاقا، وحينها يصرخون بأعلى أصواتهم ولات حين مناص.
ولما غيّب بعضُ الدعاة الإسلاميين الغاشين لأمتهم حقيقةَ الاستدراج عن الشعوب، وراحوا ينفخون في قربة الثوار المخرومة من كل جانب، ويمنونهم بمستقبل زاهر يفوق إشراقا وعدلاً عهدَ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمهم الله، اغترّ الشباب الثائرون على مختلف انتماءاتهم بتزيين الدعاة وتلبيسهم، وقرعوا الطنابيب وشرعوا يجتثون في طريقهم الطالح والصالح، ويثيرون كومة من الغبار غطت الأفق وحجبت الرؤية، وأدخلت المنطقة في نفقٍ مُظلم دامس لا تدرى صورة نهايته وإلى أيّ مصيرٍ يؤول، وهم يحطِّمون غفر الله لهم العواصم التي حطوا بساحتها ليَبنوها على غير مثال سابق، ومنهج غدقٍ بالخير وفاقد الشيء لا يعطيه؛ فشرارتهم المتحركة ترصد نبض عواصم أخرى عربية لتعطف عليها، وتعتكر على منظومتها القائمة وتدخلها حقل المسقط والتغيير، والعجيب في الأمر أنّ الثائرين المسرفين على أنفسهم يؤرخون للشرارة الأولى التي يطلقها شاب بحرق نفسه على الملأ بالتاريخ الميلادي أو الفارسي، ويأبى الثائرون أن يؤرخوا لثوراتهم بالتاريخ الهجري المحمدي، لأنهم لم يستمدوا منهج إصلاحهم من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي أُسست دعائمها على هجرة الكفر، والشرك، والبدعة، والفجور، والمعاصي، ومحاربة أكبر ظلم شهدته الأرض؛ ظلمٌ لا يغتفر أفسد الأرض بعد أن أصلحها اللهُ بالتوحيد، وقطع على الناس علاقتهم بربهم مالك يوم الدين، [لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] لقمان: ١٣، فدستور الثوار الذي طرحوه للأمة لتنتخب عليه خليطٌ من الأفكار والمبادئ النصرانية والفارسية، وهجينٌ لا تستقيم عبارته، وهو لا يخالف الدستور القديم الذي قام الثائرون وحشدوا جيوشهم على قدم وساق لاجتثاثه من جذوره، إلا من حيث الشكلُ والتقديم والتأخير، إن لم يكن عند العقال أسوء من القديم، فإن الشّوكة لا تُنقش بمثْلِها فإن ضَلعها معها [أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]، فمِن أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالةِ على قُدرة الملك الغلاب أن تغيب عن ذهن الثوار حقوقُ الله التي صُرِفت إلى المخلوقين من أمثال البدوي، والسَّتِ زينب، وغيرهما من الأسماء، وإلى الجمادات من شجر وحجر ونحوهما، وأن يتخاذلوا عن دفع الأذى عن الله تعالى، فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم والإمام أحمد من حديث الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحدٌ، أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليعافيهم ويرزقهم)، وفي رواية الإمام أحمد: (إنه يشركُ به وهو يرزقهم). شِركٌ تكاد أرض مصر وتونس والشام تنشق منه، وتَخرُّ له جِبال الجُولان هدًا.
قال عبد الله بن عباس فيما روى ابن جرير الطبري في تفسيره لأية سورة مريم [وقالوا اتّخذ الرحمن ولدا]: (إن الشرك فزعت منه السموات، والأرض، والجبال، وجميع الخلائق إلاّ الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله).
حقوقٌ للهِ جلّ وعلا بيَّنها ربّنا تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا غَلَطَ فيها كثيرٌ من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم، ودعاة التغيير والإصلاح إلا أقل القليل، [وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ] النور: ٤٠.
إنّ الثورات التي طافت على بعض العواصم العربية أبانت وأفصحت عن منهج التربية العلماني الذي كان ومازال يدرس لأبنائنا في المدارس؛ وأنّه فاشل وعاطل، وله القدح المعلى فيما أصاب الأمة من تمرد، وأنه أتى على الفطرة الجميلة التي خلقها الله في العباد فأفسدها وغيَّرها، ولَبِس الأمةَ رداءً وحشيا وأجنبيا ألبسَ الحقّ عنها، وولّد فيها حكة بليغة، جعلتها تنتفض وتجهث وتفقد صوابها من شدة الحكة التي أصابتها دون أن تجد رادعا يوقفها عن الطيش، والانبثاث في كل مكان، والتمرد والعصيان، ويذكرها بأداء الحقوق لأهلها وإن ظلموا ومارسوا الطغيان، والاستجابة للواجبات تقربا من الله العاصم من كلّ شر، تربيةً للنفس وتطهيرا لها من الأدران.
ومن أين للأمة الإسلامية أن تهتدي للخطوتين السابقتين وقد أُشغلت على مدار عهود بالرقص والغناء والفجور، ومُلئ قلبُ طبقة هائلة من شبابها بالولاء والبراء على كرة القدم، والقومية العربية، والأحزاب الكفرية كحزب البعث العربي الاشتراكي الذي ساق الشام والعراق إلى التهلكة والحروب الأهلية والدمار، ورُسم في كيانها خريطةُ طريق لنشر بؤر الشِّرك والكفر ببناء القباب وتشييد المتهاوي منها، وتشجيع الطرق الصوفية على نشر ضلالها، وإحياء ما اندرس من العادات الباطلة التي خلفتها الفرق الضالة من روافض وصوفية وباطنية ونصيرية هالكة؟.
ومن أين لأبناء الأمة أن يهتدوا في خِضمِّ هذه الأمواج المتلاطمة من الضلال إلى الرشد والجادة وهم في تيه الجهل يتململون؟.
ولا ريب ولا شكّ عند أولي النهى أنّ للرقيِّ والسُّمو أسبابا ظاهرة وباطنة تجعل الدولة في مكانة عالية عِلما وعملا، كما أن للتدلي والتأخر والسقوط عللا وموجبات، وقد اتفق البادي والحاضر، والأعمى والبصير على أنّ الأمة الإسلامية لم تتأخر ويصيبها الوهن والفتن والثورات إلا بتركها لكثير من دينها، وإتباعها لسبل المغضوب عليهم والضالين التي تفرقت بها عن سبيل أهل الهدى الذين أقاموا حضارة خالدة شهد لجمالها ورفعتها العدو قبل الصديق، ولا تتحقق للأمة الحاضرة في مجموعها تلك الرفعة، ولا تهتدي لمور النجاة من أعاصير الفتن والثورات إلا بسلوك سبيل أهل الإصلاح من خلاصة الأمة؛ الذين يُمسِّكون بالكتاب وأقاموا الواجبات وبه يعدلون. وهؤلاء وحدهم هم الذين يقدرون بإذن الله تعالى على انتشال الأمة من هُوتها السحيقة التي زُجت فيها بفعل أهل الأهواء، وإنقاذ الشعوب من حالتهم التعيسة، وإصلاح وتطهير المجتمع من عقائد الزيغ، ودرن الإشراك بالله، والظلم والاعتداء على الحقوق، وهذا هو شأنهم عبر العصور، وأين ما وجدوا وحلوا، وطريق العلماء في الإصلاح ليس دونه نَكبة ولا ذُباح، وأما إذا غيبوا لسبب من الأسباب، وتصدر أهل الأهواء والظنون لقيادة الأمة فإنهم يجعلونها تقفوا خطى المغضوب عليهم حذو القذة بالقذة، ويَصبُّون على رأسها كل رزية وبلاء والواقع أكبر شاهد.
الحقُ، والحقَ أقول: إن الفرق الضالة التي تفسد في الأرض ولا تصلح، وتجرف أبناء الأمة في سيلها الجرار إلى غياهب الأجداث لا تجني من الزوابع التي تحدثها في ساحة الأمة إلا العثان، وإن كانت قد أزالت بعض الظلم الذي حرك مشاعر الجماهير نحو التغيير والإصلاح بمنهج هجين لا تضبطه أصول، ولا يشهد له مثال سامي في الأمم المتمسكة بالوحي المنزل، إلا أنّه على المدى البعيد ستظهر عواقب مخالفة الوحي في التغيير والإصلاح، والإعراض عن منهج الأنبياء في إقامة دولة الإسلام، قال تعالى: [فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ] غافر: ٤٤، ولا ينبغي للمسلمين أن ينطلقوا من الحدس والظنون والتجارب لإثبات صحة المنهج وقوته في إزالة المنكر، ويردوا صريح النصوص المخالفة للواقع.
أخرج الإمام البخاري في صحيحه كتاب الطب، والإمام مسلم كتاب السّلام؛ من حديث قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال: أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أخي يشتكي بطنه" (وفي رواية: إنّ أخي استطلق بطنه)، فقال: (اسقه عسلا)، ثم أتى الثانية، فقال: (اسقه عسلا)، ثم أتاه الثالثة؛ فقال: (اسقه عسلا)، ثم أتاه فقال: إنّي سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال: (صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا)، فسقاه فبرأ.
وفي رواية عند مسلم: (إنّ أخي عَرِب بطنه، فقال له: (اسقه عسلا).
أي فسد هضمه، واعتلت معدته.
إنّ الفسادَ الذي يخيم على رؤوس أبناء الأمة شفاؤه وعلاجه في الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإن استثقل كثير من الناس بطأه في إزالة الداء، وأما الذي يرونه يهيمن على الساحة من حركات طائشة، وثورات الفلتة فليست هي العلاج المنشود الذي يأتي على أدواء الأمة من جذورها ويسلتها من ساحتها، ويخرج العلل التي عدنت في بطن المجتمع لقرون عديدة، وإن كانت هذه الثورات قد ساهمت في خَفت حدّة الأنين الذي سبّبه ظُّلم الأنظمة الوضعية، إلا أنها عبثت بأصول متينة من كنه منهج السلف، وإذا لم يذلعب المجتهدون في علاج الأمر قبل تفاقمه، فإنه سيصيب الأمة أدواء هي أشدّ من التي سعى الثوار إلى إزالتها، وحينها يقول العقال: صدق الله وكذب الواقع، فإنّني من الآن قبل أن يجف عرق الثوار أسمع أن رؤوس الإخوان المسلمين في مصر الذين سلكوا ترهات البسابس، وركبوا بنيات الطريق؛ أخذوا يتعللون بالأباطيل، وينادون على رؤوس الأشهاد بأعلى صوتهم حتى يصل خبرهم إلى آذان شيوخ الكنقرس الأمريكي فيبارك مساعيهم؛ أنهم ساعون وجادون أفرادا وأكاديد وأرسالا لإقامة دولة مدنية لا علاقة لها بالدين الإسلامي، وأن القانون المدني المصري فوق رأس المسلم والقبطي. ضلال مثل هذا لم تشهده الحقبة السابقة في مصر وإن شابها ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل.
وحتى لا تندرس أصول أهل الحديث في عهد الثورات، وتطوى كطي السائم من القراءة للكتب فلا يعمل بها، وتعوض بالظنون والأفكار العفنة التي أنتجتها عقول قدمت المصلحة المرسلة -وإن كانت ملغية في القرآن والسنة- على الحق الثابت القديم؛ آثرت تذكير نفسي والمسلمين بحقوق الراعي والرعية في منظور أهل الحديث حتى نجنب الأرض الظلم والاعتداء على الحقوق، فإنني لم أر قربانا يستحق صرف الجهد فيه، وبذل الوسع لإيصاله إلى المسلمين أفضل بعد نشر التوحيد من تذكير الأمة بحق الراعي والرعية في وقت انعكست فيه الحقائق، وتلاطمت فيه المفاهيم، فصارت السنة المرضية بدعة عند أهل الضلال والتمرد، والبدعة هي السنة، بل هي الدّين ومنهج التغيير، وأسمى من التمسك بنصوص تسلط الطواغيت على رقاب الشعوب، وتبيح لهم جلد الظهور وأخذ الكنوز كما صوّر الأمر محركو الثورات بلا فرامل!.
ولا ينبغي لعامة المسلمين المتأثرين بالتغيير الآني الذي أحدثته الثورات أن يفهموا أن أهل الحديث يعارضون التغيير الصحيح ولا ينهجون سبيله الواضحة، وأنهم لا يجيدون إلا النقد وتوزيع التهم، وإضاعة الفرص السانحة والمساعدة على التغيير، والتي قد لا تتوفر إلا بعد قرون، وإنما شغل أهل الحديث أن يؤسسوا بنيان تغييرهم للفساد وإصلاحهم للأوضاع على أسس متينة وواضحة تؤتي أكلها بإذن ربها في كل حين، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة يصيبها اختلاف كبير وبعدٌ عن جادة السبيل، ويتغير حالها حتى لا يكاد يعرفه إلا من كان عالما بالشريعة المحمدية، فقد أخرج الإمام أبو داود، والترمذي، وابن ماجة وغيرهم بإسناد حسن من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو السّلمي؛ أنّه سمع العرباض بن سارية يقول: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ). وهذا لفظ الإمام الترمذي.
وفي لفظ ابن ماجه من طريق: عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية وفيه: قال رسول الله: (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد).
فقد دلّ النص بوضوح على ظهور الانحراف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها تتغير على ما كنت عليه في الصدر الأول، ولكن لم يهمل النبي صلى الله عليه وسلم منهج الإصلاح لهذا الانحراف الذي أصاب الأمة فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهدين من بعدي).
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه من طريق شيخه عمرو بن حفص، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت سالما قال: سمعت أمّ الدّرداء تقول: (دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضبٌ، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أنّهم يصلون جميعا).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (قوله: (يصلون جميعا) أي: مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان).
وأخرج الإمام أبو داود في سننه وغيره من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شَراحيل بن يزيد المعافريّ، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ سنة مَن يُجدّد لها دينها).
ومعنى التجديد كما جاء في عون المعبود: (والمراد من تجديد الدين إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات، ولا يُعلم ذلك المجدد إلا بغلبة الظن ممن عاصره من العلماء، بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه، إذ المجدد للدين لا بد أن يكون عالما بالشريعة، قاصرا على السنة، قامعا للبدعة، وأن يعمّ علمه أهل زمانه، وإنما كان التجديد على رأس كلّ مائة سنة لانخرام العلماء فيه غالبا، واندراس السنن وظهور البدع، فيحتاج حينئذ إلى تجديد الدين، فيأتي الله تعالى من الخلق بعوض من السلف إما واحدا أو متعددا) انتهى بتصرف يسير.
وأخرجه الإمام أحمد (5/251)، وابنه عبد الله في السنّة (برقم764)، والحاكم (4/190 برقم 7101ط: مقبل بن هادي الوادعي) وغيرهم بإسناد حسن من طريق عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله، أنّ سليمان بن حبيب حدثهم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتُنْقضَنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة؛ تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة).
إنّ النصوص السابقة التي أوردتها وضحت أن الأمة الإسلامية يصيبها نقص وتغيير، ونقض لكثير من عراها، وأن السبيل الشرعي لكي تعود لمجدها وتسد الثلم الذي أصابها يكون بالعودة إلى الوحيين الكريمين، وأنّ الله جلّ في علاه يمنن عليها بعلماء مجددين يحيون ما اندرس من معالم الدين، وهو السبيل الشرعي الذي ينشده أهل الحديث في العصر الحديث لتغيير أوضاع المسلمين من السيئ إلى الحسن، وقد أجملت الحديث عن مشروع أهل الحديث في التغيير في هذه التصديرة، وفصلت القول في جزئي "منهج أهل الحديث والأثر في إصلاح ما أفسد الناس".
إن المجددين الذين أرى أن الله أنعم بهم على هذا القرن هم: العلامة المحدث شيخنا النبيل، والفهامة الجليل محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، والعلامة البدر المنير، الفهامة العمدة النخرير عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، والمدقق الفاهم، والبحر الذي ليس له في سعة النظر ساحل، جمال العلماء الصالحين، العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: (ج28/ص43): (ومن له في الأمة لسان صِدْق عام، بحيث يُثْنى عليه، ويُحْمد عليه في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء هم أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجَى، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم، وعامته من موارد الاجتهاد التي يُعذرون فيها، وهم الذين يتبعون العلم والعدل، فهم بُعَدَاء عن الجهل والظلم، وعن اتباع الظن وما تهوى الأنفس).
فأهل الحديث والأثر يسلكون سنن الله الشرعية والكونية لتجديد الدين، وتطهير الأرض من الأدران، وأن الثوار لا يستحقون ولا يستأهلون المجددية، كيف وهم يخربون الدين، ويحيون البدع ويميتون السنن، وجل صناعتهم التحريف ولطم الخدود وشق الجيوب والهيش في الطروقات.
فالله ربي أسأله أن يثبتني على منهج أهل الحديث ويرضيني به، وأن أسلك شعبهم في عصر الغربة وإن أخذت الشعوب واديا آخر، وأن يعصمني من شر العواطف التي هي عواصف تسوق المرء إلى المآزق حتى إذا أدرك أنه هالك واستناص بالعودة إلى الأصول الثابتة يجد نفسهم أن ماء الغرق قد ألجمه، ولم ينفعه نزو ولا فرار. [فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ] الأنبياء: ١٢ – ١٥

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه أخوكم: أبو عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري كان الله في عونه.
التعديل الأخير تم بواسطة hamid4 ; 28-10-2014 الساعة 09:02 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
hamid4
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-10-2009
  • المشاركات : 127
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • hamid4 is on a distinguished road
hamid4
عضو فعال
  • ملف العضو
  • معلومات
hamid4
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-10-2009
  • المشاركات : 127
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • hamid4 is on a distinguished road
hamid4
عضو فعال
رد: حوار حار: هل الثورات العربية بلاء للمسلمين/بعد أحداث تونس/ للبحاثة الشيخ عبد الحميد العربي الجزا
29-10-2014, 10:20 AM
حين لم يكن الشعب على تربية صحيحة.

ومنهجية علمية للتغيير.

وأخلاق عالية تربطه بدينه وجذوره.


سيعود ولو بعد ثورة عارمة الى عادته القديمة.

وهاهي تونس تطرد بن علي وبعد مدة قليلة عادت الى نظامه؟؟؟؟

التربية قبل الثورة
  • ملف العضو
  • معلومات
hamid4
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-10-2009
  • المشاركات : 127
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • hamid4 is on a distinguished road
hamid4
عضو فعال
  • ملف العضو
  • معلومات
hamid4
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-10-2009
  • المشاركات : 127
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • hamid4 is on a distinguished road
hamid4
عضو فعال
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 05:43 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى