نيل المأمول من حوار العقول
09-04-2015, 12:43 PM
نيل المأمول من حوار العقول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عدنا بفضل الرحيم الرحمن، والعود أحمد بإذن الكريم المنان.
كنت قد نشرت متصفحا بعنوان:" نسف نظرية التطور"، وقد تضمن إقرار أكثر من:(700) عالم تجريبي غربي: ببطلان تلك النظرية الزائفة، وكثير من هؤلاء من حملة جائزة:" نوبل"، وقد تضمن بعض ذلك أيضا متصفحي الآخر المسمى:" اعترافات داروينية"، وسبب تسميته بذلك: أن كثيرا ممن وردت أسماؤهم فيه هم ممن انتصر لنظرية داروين فترة من الدهر، ثم تبين لهم بعد سنوات من البحث:" زيف وبطلان تلك النظرية!!؟"، فأقروا بذلك بعظمة لسانهم، ودونوا اعترافاتهم في كتبهم كأدلة قاطعة على صحة ما قررناه أكثر من مرة بأن:" التطور هو العلم الزائف"، ونشرنا متصفحا خاصا لذلك بعنوان:" عشرون دليلا على أن التطور هو العلم الزائف".
وبعد ذلك كله: جاءنا بعض من يؤمن بنظرية:" الصدفة!!؟"، ومبدأ:" العشوائية!!؟" في نسج:" الكون و موجوداته"، فنافح وكافح ودافع عن:" زيف نظرية التطور!!؟" بحجة أن من أنكرها إنما كانت مرجعيته:" أيديولوجية بحتة لا علاقة لها بالعلم أبدا!!!؟؟؟".
فقلنا: غريب وعجيب ومريب هذا القول!!!؟؟؟، فهل غفل أو تغافل!!؟، أو جهل أو تجاهل صاحب ذلك القول!!؟: أننا نشرنا له قائمة تضمنت:" إقرار أكثر من:(700) عالم تجريبي غربي ببطلان تلك النظرية الزائفة، وكثير من هؤلاء من حملة جائزة:" نوبل"، وبعضهم كان:" داروينيا سابقا!!؟"، فهل يعقل أن يقال: بأن هؤلاء أجمعين أكتعين أبصعين، وغيرهم كثير: إنما كانت مرجعيتهم:" أيديولوجية بحتة لا علاقة لها بالعلم أبدا!!!؟؟؟".
أعتقد بأن كل:" صاحب عقل سليم منصف" سيعلن جازما بأنه: ظاهر بداهة بطلان وزيف ذلك القول، وما أصدق قول الشاعر هنا:
وليس يصح في الأذهان شيء ÷ إذا احتاج النهار إلى دليل!؟
وقد تتابعت المشاركات على متصفحي:" نسف نظرية التطور"، وكانت من أبرزها: مشاركة الأخت الفاضلة:" زوليخة"، فعلقت عليها ببعض التعليقات، ولم أكن أدري ابتداءا: بأنها ستبلغ عشر صفحات كاملة، لذلك رأيت إفرادها بالنشر تحت عنوان:" نيل المأمول من حوار العقول"، وذلك حتى لا تضيع فوائدها في خضم المشاركات المتتابعة في المتصفح المذكور سابقا، وقد نقلت هنا أقوال الأخت الفاضلة:" زوليخة" مع التعليق عليها بما يناسب المقام، فإليكموها:
بارك الله في الأخت الفاضلة:" زوليخة"، ولها الشكر على تميز توضيحها، وحسن بيانها، وعلو تواضعها بجميل اعتذارها.
أختنا الكريمة:
نشاطرك الرأي تماما حين قلت:{ إنما قصدت علماء الغرب الذين يجندون أقلامهم كلما مس أحد من بني جلدتهم فكرة لا تخدم عنصريتهم}.
وأعلق عليه قائلا ممهدا بالمثل السائر:" شر البلية ما يضحك!؟".
لعلك تتعجبين مثلي من بعض:" بني جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا": كيف يستميتون في الدفاع عن تلك:" الفكرة الزائفة": التي أبطلها أساطين الفكر الغربي التجريبيون!!!؟؟؟.
وأعتقد جازما بأن هؤلاء الذين:" يتكلمون بألسنتنا":ليسوا سوى:"رجع صدى لنظرائهم الغربيين!!؟": الذين وصفتيهم بقولك:
{ يجندون أقلامهم كلما مس أحد من بني جلدتهم فكرة لا تخدم عنصريتهم}.
لقد فهمنا سبب عنصرية هؤلاء لفكرتهم الزائفة، لكن الذي لم نفهمه هو:" إصرار وعناد" بعض من يتكلمون بألسنتنا على الانتصار لتلك الفكرة الزائفة مع ادعائهم الإسلام الذي تناقضه فكرتهم تلك!!؟.
فمن المعلوم يقينا لدى كل عاقل مسلم طبعا: أن الكون قائم على:" نظرية الخلق"، ومبدأ:" التصميم الذكي"، بينما يصر بعض من يتكلمون بألسنتنا على مناقضة ذلك باعتقادهم: أن الكون قائم على:" نظرية الصدفة!!؟"، ومبدأ:" العشوائية!!؟"، ثم يزعمون أنهم:" مسلمون!!؟" في إنكار واضح للخالق سبحانه وتعالى، ولا غرابة في إنكار:" الملحد الغربي" للخالق ونظرية الخلق، لأن ذلك هو دينه، ولكن أن يأتي من يدعي:" الإسلام"، ويقر بصحة:" عقيدة الملحدين"، ثم يقول إنه:" مسلم!!؟"، فهذا الذي يقال فيه:
حقا وصدقا:" شر البلية ما يضحك!!؟".
كما أشاطرك الرأي تماما أيضا أختنا الكريمة في قولك:
{أما العقول المعطلة التي قصدتها هي عقول الباحثين عندنا الذين لا يتصدون للأفكار التي من شانها أن تحط من قيمتنا وتستهتر بمنجزات ثقافتنا، ومع ذالك: ما إن يجتهد أحد المجتهدين المسلمين إلا وتتصدى له}.
وأقولك معلقا:صدقت وبررت في تحليلك لواقع العقل العربي، لأن أكثر العقول قد سكرت بفعل:" هوى ثقافة الهشك بشك!!؟"، أما العقول الباحثة النيرة المبدعة في مختلف المجالات، فقد طالها:" التهميش والإقصاء"، وأقيم عليها:" سياج الحجر العقلي"، وذلك لمنعها من قيادة:" ركب الأمة" إلى فضاء:" الرقي والازدهار والتنمية والإبداع"، فأعداء أمتنا يريدون منا أن:" نبدأ من حيث انتهوا!!؟"، وأقصد بذلك أن نشغل عقولنا بثقافة:" نجوم الهشك بشك!!؟" بدل ثقافة:" الإبداع والاكتشاف والاختراع والتنمية الفكرية والمادية".
وأعتقد جازما بأن:" الإسلام": قد حرر العقل من أغلال:" الخرافة والدجل، والإلحاد وعبادة الأهواء"، وأطلقه ليتأمل في ملكوت الله الواسع، فيوظف كامل قدراته المتاحة فيما يعود عليه بالنفع الدنيوي، والصلاح الأخروي، فالقاعدة العظيمة عندنا تقول:
" العقل الصريح لا يخالف النص الصحيح"، وإذا وجد ما يوهم خلاف تلك القاعدة، فسببه أحد أمرين:
الأول: إما أن يكون النص غير ثابت.
الثاني: وإما أن يكون فهم النص خاطئا سقيما.
وصدق من قال:
وكم من عائب قولا صحيحا÷ وآفته من الفهم السقيم
لذلك يخطئ بعضهم كثيرا حين يجعل:" النصوص الشرعية: كلأ مباحا لهوى عقله!!؟": يرتع فيه دون قيود، فيعمل فيها معاول الهدم بحجة: أن هذا النص أو ذاك أو ذياك: لم يتقبله عقله!!؟، وقطعا: لو تتابع الناس على اتخاذ هذا المسلك: منهجا في التعامل مع النصوص الشرعية، فسينهار أساس الشرع، ويفسد بنيانه إذ ترك لمعاول العقول البشرية المجردة عن القيود الشرعية، ولو ترك الأمر لعقول الناس لفسد الأمر- جملة وتفصيلا!!؟-، وصدق قول:" الخبير العليم في القرآن العظيم":
[ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ . وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ].
تلك هي:" النتيجة الحقيقية المرة":لاستقلال العقل عن الشرع، أو جعله حاكما عليه!!؟، كما يقوله بعض من يرد نصوصا شرعية – ولو اتفقت الأمة على صحتها!!؟-، وحجته، بل: شبهته في ذلك هي:" أن عقله لم يتقبلها!!؟"، فقد جعل:" عقله القاصر": مرجعية يحاكم نصوص الشرع إليها!!؟- شعر بذلك أم لم يشعر!!؟-، ولا يستبعد تكرر هذا الأمر، واستقراره في:" قلب وعقل" من يظن في نفسه بأنه يملك:" عقلا كاملا متكاملا!!؟": قد يضاهي كماله كمال الشرع الحكيم!!؟، فيسوغ لنفسه محاكمة نصوص الشريعة التي قالها فيها مشرعها:" الحكيم العليم":
[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا].
وهناك قاعدة عظيمة أخرى تقول:
" نصوص شريعة الإسلام لا تأتي بما تحيله العقول، ولكنها تأتي بما تحار فيه العقول".
فعقل الإنسان محدود، وخالق ذلك العقل يقول عن قدراته العلمية:
[ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا].
فكما أن:" بصر عين الإنسان" للماديات محدود بحد:" الأفق"، فكذلك الشأن مع:" بصيرته العقلية" محدودة بحد:" الغيبيات".
ولا يفهم من قولنا: أننا ندعو لإلغاء العقل أو تعطيله!!؟، لا ثم ألف كلا!!؟، وإنما قصدنا هو: استخدام العقل فيما خلق لأجله، وعدم التجاوز به حدود قدراته الممكنة بحمله على التجرؤ على:" خالقه ونصوص شريعته"، وسولت له نفسه، وزين له:" عقله" بعضا من ذلك!!؟، فليتذكر دائما هاتين القاعدتين الذهبيتين:
الأولى: " العقل الصريح لا يخالف النص الصحيح".
الثانية: " نصوص شريعة الإسلام لا تأتي بما تحيله العقول، ولكنها تأتي بما تحار فيه العقول".
ومن استعصى عليه:" هوى عقله"، فليستطب بهذا الدواء النبوي الشافي بإذن الله تعالى:
قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إذا قام من الليل :"اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".( صحيح سنن ابن ماجة: 1357).
قال الشيخ العلامة الإمام:" ابن قيم الجوزية" رحمه الله شارحا الحديث بكلام قيم جدا، وذلك في كتابه الرائع الماتع:" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان":(2/128):
" فتوسل إليه سبحانه بربويبته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة:
فجبريل: موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح.
وميكائيل: موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان. وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم.
فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء: أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه لما في ذلك من الحياة النافعة". انتهى كلامه رحمه الله.
وقال أيضا كلاما: يكتب بماء الذهب لمن أحسن تأمله، وذلك في كتابه:" الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة":(2/516):
" فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن:" هدى لما اختلف فيه من الحق".
فهذا أعلم الناس، وأهداهم سبيلا، وأقومهم قيلا، وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا، فاختلافهم اختلاف رحمة وهدى، يقر بعضهم بعضا عليه، ويواليه ويناصره، وهو داخل في باب:" التعاون والتناظر": الذي لا يستغني عنه الناس في أمور دينهم ودنياهم: بالتناظر والتشاور، وإعمالهم الرأي، وإجالتهم الفكر في الأسباب الموصلة إلى درك الصواب، فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره، وأدركته قوة بصيرته، فإذا قوبل بين الآراء المختلفة، والأقاويل المتباينة، وعرضت على:" الحاكم الذي لا يجور"، وهو:" كتاب الله وسنة رسوله"، وتجرد الناظر عن التعصب والحمية، واستفرغ وسعه، وقصد طاعة الله ورسوله، فقل أن يخفى عليه الصواب من تلك الأقوال وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، فإن الأقوال المختلفة: لا تخرج عن الصواب وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، ومراتب القرب والبعد متفاوتة.
وهذا النوع من الاختلاف: لا يوجب معاداة ولا افتراقا في الكلمة، ولا تبديدا للشمل، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع، فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة، ولا قطع بينه وبينه عصمة، بل كانوا كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه، ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة، والمصافاة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغنا، ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له، ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه.
فهذا الاختلاف: أصحابه بين الأجرين والأجر، وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده، وتحريه الحق".انتهى كلامه رحمه الله.
قولك:{ كن على يقين آخي: أنني أفرح لكل خط يخطه واحد من أمتنا حتى لو كان خربشة، لأن همي الوحيد هو: آن تكون عقولنا حاضرة في كل ما يحدث في العالم الغربي: الذي جند علومه ومعارفه لهدمنا، ويسرني أن أقرأ لقلمك، لأنه يبرهن على أن هناك عقولا: لا زالت يقظة، واعلم أن غيابك عن الموقع سوف يحدث فراغا ولو ضئيلا، لأننا نريد أن يكون هذا الموقع نبضة تنبض بها حياتنا الفكرية}.
التعليق: بارك الله فيك أختنا الكريمة على حسن ظنك بأخيك، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
صدقت وبررت في قوليك:{ همي الوحيد هو: آن تكون عقولنا حاضرة في كل ما يحدث في العالم الغربي: الذي جند علومه ومعارفه لهدمنا...}، و{... لأننا نريد أن يكون هذا الموقع نبضة تنبض بها حياتنا الفكرية}.
ذلك بالضبط ما نريده جميعا – وإن اختلفت آراؤنا في هذه المسألة أو تلك-، وأعتقد جازما بأن:" الخلاف البناء: القائم على أدلة الشرع، وصحيح النظر والفكر": لا يفسد للود قضية، لأن ذلك النوع من الخلاف يكون في العادة سالما من:" الخلفيات المسبقة": التي يكون فيها حظ كبير من الانتصار للنفس.
وخير ما نختم به هو: سؤال الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى: أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن: الحمد لله رب العالمين.















