كيف يكون حب الوطن ؟ - خطبة الشيخ عبد الرزاق البدر
12-05-2014, 07:25 PM
خطبة جمعة بعنوان حب الوطن لشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر
12 شعبان 1434هـ
للاستماع للخطبة وتحميلها :
هنا
الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ،
وصفيُّه وخليلُه ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغُ الناس شرعه ؛
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه .
أيها المؤمنون عباد الله :
لقد رُكِز في جبلّة البشر حبُّ الأوطان والشغَف بالمنشأ ،
وهذا الحب -عباد الله- فطرةٌ ثابتةٌ في حنايا النفوس متجذِّرةٌ في شغاف القلوب ،
ووطن المرء : أرضه التي بها وُلد ، وعليها تربى ،
وعلى تربتها درج ، وبخيراتها نعِم ، وفي محاضنها نشأ .
وإذا كانت -عباد الله- الإبل تحنُّ الى أوطانها والطير إلى أوكارها
فكيف الأمر إذًا بهذا الانسان !! .
أيها المؤمنون :
إن هذا الحب الجبلي للأوطان سببٌ لعمارتها وسلامتها من الخراب ؛
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :
«لولا حب الوطن لخرِب بلد السوء» ،
وكان يقال: "بحب الأوطان عُمرت البلدان" .
ويروى عن ابن الزبير أنه قال:
«ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم» .
وقيل : "كما أنَّ لحاضنتك حقَ لبنها ، فلأرضك حُرمةَ وطنها" .
أيها المؤمنون :
لقد دل القران الكريم على هذه المكانة لحب الأوطان
وأنه أمرٌ مركوز في الفطَر جُبلت عليه النفوس،
قال الله تبارك وتعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [النساء:66] ؛
فقرن جل شأنه الجلاء عن الوطن بالقتل ،
وهو بمفهومِه -عباد الله- يفيد أنَّ الإبقاءَ فيه عديلُ الحياةِ ،
وقال الله سبحانه وتعالى :
﴿ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ [البقرة:246] ؛ فجعل القتال ثأراً للجلاء .
أيها المؤمنون :
وإذا كان هذا الحب قائمًا في نفوس البشر كلٌّ لوطنه
فكيف الأمر في هذا الوطن المبارك ؛
بلد التوحيد والعقيدةِ ، ومَهدِ السنة والرِّسالة ،
ومهبط الوحي ومأرِز الإيمان ، وأرضِ الحرمين ، وقِبلة جميع المسلمين ؟!
أيها المؤمنون :
إن الوطن المسلم القائم على الشرع المقيم لحكم الله جل وعلا قد اجتمع لأهله حبان :
· حب فطري وهو المتقدم ذكره .
· وحب شرعي وهو ذلكم الحب العظيم المبني على الصلاح والإصلاح .
وتأملوا حب النبي صلى الله عليه وسلم للوطن متمثلًا في أحاديث كثيرة
منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أَنَسٍ قال :
« كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ ،
وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا»
أي من حب المدينة ، لأنها وطنه المبارك وداره الطيبة ،
فعَل ذلك عليه الصلاة والسلام وفيه أكرم الأسوة .
وأمَر صلى الله عليه وسلم أمته سرعة الرجوع إلى أوطانهم
عند انقضاء أسفارهم وحاجاتهم سواءً منها الدينية أو الدنيوية ؛
روى الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
(( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ،
فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ )) .
بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن
ولو كان السفر إلى مكة بيت الله الحرام ؛
روى الحاكم بإسناد ثابت عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها
أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ :
((إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِهِ)) ؛
قال العلماء المراد بأهله : أي وطنه وإن لم يكن له فيها ولد أو أهل.
أيها المؤمنون :
المسلم الصادق أصدقُ الناس حبًا لوطنه ؛
لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا والآخرة بتطبيق الإسلام ,
وتبنِّي عقيدته القويمة , وإنقاذهم من النار ومن سخط الجبار ,
قال الله تعالى حكايةً عن مؤمن آل فرعون أنه قال:
﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا﴾ [غافر:29] ؛
قال ذلك محذرًا لقومه وناصحًا لهم ومريدًا لهم الخير والصلاح والنجاة .
نعم أيها المؤمنون ؛
حب الأوطان الصادق لا يكون إلا بالسعي فيما يُصلحها ،
ولا صلاح لها إلا في دين الله تبارك وتعالى ،
ولا قَوام لها إلا بشرعه ،
وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح ،
بل هو من الإفساد وليس من حب الوطن في شيء .
أيها المؤمنون : صلاح الوطن يكون بصلاح العقيدة الإسلاميّة واستقامتها ؛
قال الله تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور:55] .
§ ويكون بتحكيمِ الشريعةِ على أرضه وبين أهلِه وعمارةِ أرجائه بالإيمان
وتقوى الرحمن ؛
قال الله تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ [الأعراف:96] .
§ ويكون بإعلاءِ شأن الدّعوة إلى الله فيه وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كما قال الله سبحانه :
﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:41] .
ويكون بمجانبة الذنوب والمعاصي وإقصاء الفساد والإنحلال ،
فإنه دمارٌ للديار وهلاك لأهلها ؛
قال الله تعالى:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41] .
§ ويكون -عباد الله- بالبعد عن البطر وكفران النعم ،
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112] .
§ ويكون -أيها المؤمنون - بلزوم الجماعة والسمع والطاعة ؛
إذ إنَّ مصالح الأمة لا تتم إلا بجماعة ،
والجماعة لا تتم إلا بإمارة ، والإمارة لا تقوم إلا على وطن .
أيها المؤمنون :
إن المواطَـنَة الصالحة ليست كلماتٍ تُردَّد ولا شعاراتٍ تُرفَع ،
وإنما هي إخلاصٌ وعمل ونصحٌ صادق للوطن رُعاةً ورعية .
وهذه -عباد الله- دعوةٌ من على هذا المنبر لنا أجمعين
من أكرمنا الله عز وجل بسكنى هذا الوطن أو الإقامة فيه إقامةً مؤقتة
أن نتقي الله عز وجل في هذا الوطن المبارك
وأن تكون سكنانا وإقامتنا فيه مبنيةً على النصح والإصلاح والصلاح
والبعد الكامل عن الشر والفساد ،
ولنكن في ذلك كله مراقبين لله جل وعلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي النفوس ،
وقد صح في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال :
((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) ، قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله ؟
قَالَ: ((لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) .
اللهم يا رب العالمين اعمر قلوبنا بالنصيحة يا ذا الجلال والإكرام ،
وأذهب عنَّا الغش والمكر والكيد والعدوان ،
واجعلنا وأهلينا وذرياتنا صالحين مصلحين يا رب العالمين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
قال اللَّه تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّنْ رَبِّه﴾[الزمر: 22]
التوحيدُ مِن أعظم أسبابِ شرح الصدر
من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟
الشيعة الرّوآفض
انّهآ بذرةٌ نصرآنيّة
غرستهآ اليهوديّة
في أرض مجُوسيّة
- شيخ الاسلآم بن تيمية -











