// ،؛ جَدَتِي ؛، //
06-09-2012, 09:47 PM
// ،؛ جَدَتِي ؛، //
كَان اليَومْ جميلاً رَغمَ المُفَاجئَاتْ التِي تلقيْتُهَا بقَليلٍ منَ الصَبرْ وَ الصَمْتْ,
وَ أنَا فإنِتظَارْ صديقَتِي للذَهَابْ سويًا , مِنَ البَديهِي جدًا أن أتَصلَ فِي الْسَاعَة ألفَ مرَة ،
خصُوصًا أنهَا علَى درَايَة
مُسْبَقَة أنِّي أكرهُ الإنتظَارْ..بَلْ وَ أمقُتُهْ.
فِي تلكَ الأثنَاءْ , أضْطُرِرْتُ عَلى الجُلوسْ إلَى جدتَهَا وَ أعتَبرُ أنَ منْ حقِي أنْ أُنَاديهَا جدتِي أنَا أيضًا...
لِأنَّها تُذكرُنِي دَومًا حينَ ألقَاهَا بعَفويَة جَدَتِي وَ كرَمهَا اللَامُتنَاهِي...
أحبُّهَا جدًا وَ هِيَ كَذلكْ ، كلاَنَا يعلمُ هذَا...
لذلكْ معَهَا وَ علَى غيرْ عَادتِي لاَ أشعُرُ بالمَللْ.
كَان الجُلوسْ إليهَا وَ الحَديثْ معهَا مُمْتِعَا وَ مُؤلمًا فِي ذَاتْ الوَقتْ,
وَ كَان عليَّ أنَا التَمييز بينَهُمَا بدقَة ، لكثرَة مَا غُصنَا فِي المَاضِي بِعُمقْ.
إمرَأة فِي العقدْ الثَامنْ مِنْ عُمرهَا ، أَخذَ الموتْ مُعظَمَ بنَاتهَا أمَامهَا...مَا فَتِئَتْ تأمَلُ أن تُهديِهَا الحيَاةُ نهايَة أجْمَلْ.
لَمْ يتنَازلْ الزَمنْ عنْ حقَهُ فِي جعلِ بصمَتهِ وَاضحَة حتّى عَلَى جسمَهَا ، فَتَجَاعيِدُهُ المُنهكَة تبرزُ كلّ مرَّة ,
جَسدٌ نَحِيلٌ حملَ الكَثيرِ منَ الألَمْ ، الوَجعْ ، الصَبرْ ، المَرضْ ، الصَدمَاتْ...وَ الخيبَاتْ.
كَانَ دومًا يَحلُو لِي أن أعبثَ بيدِيّ جدِتِي لأنَامْ ،
اليَومْ و أنَا أرَى يدَاهَا المُجعدتَانْ بعنَايَة تذكرتُ جدتِي...
ذَهبَ بِي ذلكَ المَشْهدَ إلَى جدتِي الّتي رحَلتْ دُون أن تودعنَي أو تَمنحنِي فرصَةً أخرَى لِلَمسِ يدَايْهَا أوْ حتّى تَقبِيلِهِمَا وَ هيَ ترَانِي .
رَاحتْ تسردُ لِي يوميَاتهَا بشَيئْ مِنَ الإحبَاطْ وَ حزنٌ لَمستُهُ فِي فراغَاتِ كلمَاتهَاَ..
وَ كنتُ أنَا أوَاسيهَا بصوتٍ يكَادُ أن يَكُونَ غائبًا بأنَ جَميعُنَا يمرُّ فِي هذهِ الحالَة التِي لاَ ندرِي متَى سَتنتَهِي !
كَانت أثْنَاءَ حديثْهَا معِي تَنظُرُ بينَ الفينَة وَ الأخرَى إلَى صُورِ بنَاتهَا المُتوفيَات منهُنَّ وَ الأحيَاءْ ,
وَ تبتَسِمْ مُحاولَةً تدَاركَ حُزنَها أمَامِي الذِي لَمحتُهُ فيهَا مُذْ عرفتُهَا .
وَ بَعدْ صمتٍ سَادَ بيننَا لاَ أدرِي كَمْ دَام ،أخْبرتنِي بَعدَ تنهيدَة لفَتتْ إنتبَاهِي لهَا...أن اِبْنَتَهَا التِي مَاتتْ مُذْ أكثرَ منْ 14 سَنة في حَادثْ مُفجِعْ بالعَاصمَة , الحيَاةُ فقطْ منْ أعْلَنتْ عَنْ سفرهَا الذِي لَا تعتَرفُ بهِ ،
لأنّها لاَ تزَالُ تَنبضُ فِي قلبِهَا كمَا لَو كَانتْ معهَا و بأنّهَا تُشارُكهَا تفَاصيلَ يومهَا الشَاقْ...حتّى بعدَ مُرورِ 14 سَنة.
لَقَدْ وَجدتُهَا تحرصُ دَائمًا عَلى وَضعِ لمسَتِهَا الخَاصَة فِي كلِّ شيئْ حتّى فِي الطبخْ ،
فمَا من مرّة زرتُهَا فيهَا إلَّا وَ وجدْتُهَا ترْتدِي مئزرًا تفُوحُ منهُ رائحَة البَصلْ ،
خُصُوصًا هذهِ المرَّة الّتي حينَ أنهينَا الحديثْ عَنْ كلِّ شيئ ,
سَألتنِي إن كنتُ أتعلمُ الطبْخَ تدريجيًا وَ قَالتْ لِي نصيحَة لاَ تزَالُ عَالقَة بِذهنِي " الطَبخْ فَنْ وَ حبّ قَبلَ أنْ يَكُون غذَاءًا " ...
اِستغربتُ جدًا حَالمَا سمعتُ نَصيحتهَا ، و تَسَائَلتْ كيفَ لإمْرَأة ضَعُفتْ قُوَّتهَا ,
تحبُّ أن تطبخَ يَوميًا وَ تُضفِي لمسَتهَا الخَاصَة فِي الأَكلْ...وَ هذَاَ مَا يزيدُ إعجَابِي بهَا كلَّ مرَّة.
أحبُّ بيتَها جدًا ، فيهِ عبقٌ منَ المَاضِي ...يُزينهُ أثَاثٌ جُلُّه قديمٌ لكَنّه يبدُو فخمًا...صُور مُعلقَة عَلى كلِّ جدَارِ...
طَاولَة صغيرَة تُزينُهَا الوُرودْ ، وَ هدَايَا اِقْتنتهَا مِنْ كلِّ بلاَدٍ زَارتهَا.
أهْوَى الجلُوسْ فِي بيُوتٍ لَهَا ذَاكرَة تَسْتقبِلُكَ بهَا حينَ دخُولكَ وَ تُفرِشُ لكَ أحلاَمهَا التِي تحققَتْ منهَا و التِي تأجلَتْ...
وَ تُقدمُ لكَ كأسًا مِنَ الأسئَلَة عربُونًا للعَوْدَة إليهَا مُجددًا .
وَ أنتَ تَرَى تلكَ الصُّورْ التِي أخْرسَها الزمنْ وَ المُتَبعثرَة فِي أرجَاءْ البَيْتْ...تَنْتَابُكَ نَشْوَة لاَ تَعلمُ مَصْدرهَا .
لِكلِّ شيئْ فِي ذلكَ البيتْ قصَة لَمْ تُحكَى أوْ تَكُون قَدْ سُردَتْ سرًا أثنَاءَ غيَابْ الذَاكرَة.
تَجعلُكَ تنتَعُل أسئلَةً لاَ جوَابَ لهَا مُحددْ..
أحبُّها ...بكلِّ بساطَتهَا .
وَ هيَ تُنَاولُنِي كأسَ العَصِيرْ الذِي بعدَ إلْحَاحِ كبيرِ منهَا قَبلتُهُ رنّ جرسُ البَابْ...وَ إذْ هيَ أخيرًا صديقَتِي.
كَعَادِتهَا تأتِي مُتأخرَة عَنْ المَوعِدْ...لَكنهَا لاَ تغيبْ.
قَبلتُ " جدَتِي " بحرَارَة ، وَ وعَدتُهَا بلقَاءٍ قريبٍ جدًا سَيجْمَعُنَا ...وَ ذهَبْنَا .
اَلْـ 2012/آبْ/30
بُشْرَى,بْ.